برغم الضغط الدولي لوقف الحرب في إثيوبيا، تستعر المعارك بين الجيش الإثيوبي الرسميّ وجبهة تحرير إقليم تيغراي، شمال إثيوبيا، برغم مرور أكثر من عامٍ على احتدام الصراع هناك.

وأمام رفض وقف إطلاق النار، دعت عديد الدول، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وتركيا، وألمانيا، وبريطانيا، رعاياها إلى المغادرة فورًا، خاصةً وأنّ قوات جبهة تحرير تيغراي مصرّةٌ على الزحف على العاصمة الإثيوبية، و"اقتلاع" رئيس الوزراء، آبي أحمد، ومحاكمته.

وأعلن متمرّدو إقليم تيغراي أنهم باتوا على بعد 200 كيلومترٍ من العاصمة أديس أبابا، بعد  أن أعلنوا السيطرة على منطقة "شيوا روبت" التي تبعد نحو 220 كيلومترًا عن العاصمة.

وأصرّ آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسّلام 2019، على القتال، ولم يرضخ إلى وقف إطلاق النار عندما أعلن أنه سيقود المعركة، ومرّر صلاحياته إلى نائبه. فإلى أين تسير الأحداث في إثيوبيا؟، وهل تسقط العاصمة أديس أبابا بين أيدي المتمرّدين، وتتمّ الإطاحة برئيس الوزراء، أم أنّ الجيش الإثيوبي سيستعيد السيطرة على إقليميْ تيغراي، وأمهرة، ويعيد الاستقرار إلى الشمال الإثيوبيّ؟.


المركزية الإثيوبية والأقاليم الفيدرالية


قبل يومين، نشرت قوات جبهة تحرير تيغراي، مقطع فيديو، تؤكد فيه أنها أسرت أكثر من 11 ألفًا من مقاتلي الجيش الإثيوبي، في حربٍ تؤكد السلطة المركزية الحاكمة أنها "وجوديةٌ"، اعتبارًا إلى أنّها تعمل على بسط سيطرتها على جميع الأقاليم الفيدرالية، وخاصة إقليم تيغراي الذي ينشط متمرّدوه منذ نوفمبر 2020 على الانفصال، بعد أن أرسل آبي أحمد، جيشه إلى الإقليم، وهاجم المتمرّدين، وأعلن سحقه لهم. لكن جبهة تحرير تيغراي، استعادت قوتها، وعادت إلى السيطرة من جديد على الإقليم، وأعادت الدعوة إلى الانفصال من خلال التحالف مع أقاليم أخرى، منها منطقة أمهرة، وقوى مسلّحة في مناطق قريبةٍ.  

وكانت الولايات المتحدة عبّرت عن قلقها من تطوّر الأحداث في الإقليم، بعد تقارير للأمم المتحدة تؤكد عدم قدرتها على إيصال المساعدات إلى أكثر من 7 مليون إثيوبيّ يعيشون في الإقليم، وذلك بعد أن أحكمت القوات الحكومية محاصرة الإقليم من أجل إخضاع المتمرّدين لشروط رئيس الوزراء آبي أحمد.

وعبّر المبعوث الأمريكي إلى القرن الإفريقي، "جيفري فيلتمان"، بداية الشهر الجاري، عن اشتداد الصراع في إقليم تيغراي، وما لذلك من تداعيات على الاستقرار في القرن الإفريقي، خاصةً في ظلّ الأزمة السودانية التي لا تزال متحرّكةً.

وقال فيلتمان في مقابلة نشرها الموقع الأمريكيّ (Responsible Statecraft): "مصلحة الولايات المتحدة تكمن في بسط الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي".

وتعمل الولايات المتحدة على وقف الحرب الدائرة في الإقليم، أوّلًا، من أجل إيصال المساعدات إلى ملايين الإثيوبيين الذي يعانون من الجوع والبرد والأمراض، في تيغراي وأمهرة، والمناطق القريبة، حتى على الحدود الإثيوبية السودانية.

وساهمت الحرب المشتعلة من نوفمبر 2020، في نزوح أكثر من مليون شخصٍ، هربًا من الوضع المأساوي هناك، بحسب الأمم المتحدة، في أبريل الماضي. 

وأعلن برنامج الأغذية العالمي، التي تمثل الخط الأمامي للصراع في إثيوبيا، حيث يوجد أكثر من 3.7 مليونٍ بحاجةٍ ماسّةٍ إلى المساعدات الإنسانية، مضيفًا أنّ "وضع التغذية يتدهور في جميع أنحاء شمال إثيوبيا، إذ تُظهر البيانات من جميع الأقاليم الثلاثة أنّ معدلات سوء التغذية تراوحت بين 16% و28% للأطفال. والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن ما يصل إلى 50% من النساء الحوامل والمرضعات في أمهرة وتيغراي، يُعانين من سوء التغذية أيضًا".


قومياتٌ وأقاليمٌ.. وحربٌ أهليةٌ في الأفق


عبّر عديد المتابعين لما يجري في القرن الإفريقي عن تخوّفهم من نشوب حربٍ أهليةٍ بين القوميات والأقاليم الإثيوبية، خاصةً بعد أن تمّ الإعلان عن تحالفٍ يضمّ 9 فصائل مسلّحةٍ، لمقاومة رئيس الوزراء آبي أحمد، وإسقاط حكومته، وتشكيل حكومةٍ انتقاليةٍ.

واعتبر التّحالف الذي أطلق على نفسه اسم "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكنفدرالية الإثيوبية"، والذي شكّل قيادةً لتنسيق جهوده العسكرية والسّياسية، أنّ هدفه يتمثّل في "إسقاط رئيس الوزراء سواء بالقوة أو بالمفاوضات وتشكيل حكومة انتقالية".

وفي واشنطن، أشار التّحالف، وفق "رويترز" إلى أنّ هذا الاتفاق، هو امتدادٌ لاتفاقيةٍ قائمةٍ بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجبهة تحرير أورومو. يُذكر، أنّ رئيس الوزراء، آبي أحمد، ينحدر من إقليم أورومو.

وشدّد السفير الإثيوبي السابق في الولايات المتحدة الأمريكية، والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، على "محاولة إنهاء الصّراع الذي خلّف وضعًا خطيرًا في إثيوبيا بسبب حكومة آبي أحمد"، مشدّدًا على ضرورة الإسراع بالعمل على وقف القتال أوّلًا، حتى لا تنزل الأمور هناك إلى وضعٍ يصعب معه العودة إلى الوراء.

وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فشل الجهود التي كان يقودها المبعوث الأمريكي إلى القرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، من أجل تجنّب التصعيد، ووقف إطلاق النار. ودعت رعاياها إلى مغادرة إثيوبيا فورًا، وهو ما يؤشّر إلى انزلاق الأزمة الإثيوبية إلى وضعٍ خطيرٍ.

ومع هذا الوضع، أصبح شبح الحرب الأهلية يتهدّد إثيوبيا، خاصةً مع اقتراب المتمرّدين من العاصمة أديس أبابا، وإعلان رئيس الوزراء آبي أحمد التصعيد وقيادة الحرب مباشرة من الجبهات العسكرية.

وبدأت قوات جبهة تحرير تيغراي، فعلًا، في الدخول إلى مناطق في إقليم أمهرة المجاورة.

ووفق رويترز، فإنّ الإثيوبيين يتخوّفون من عودة نظامٍ حكم إثيوبيا لثلاثة عقودٍ، قبل أن يتولّى آبي أحمد الحكم في العام 2018.

وانضمّ مقاتلو قبيلة أورومو إلى تحالف جبهة تحرير تيغراي، ويتواجدون في محيط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو ما يصاعد الخوف من اندلاع الحرب الأهلية، خاصةً وأنّ إثيوبيا التي تعدّ 117 مليون نسمةٍ، تحتكم إلى نظامٍ فيدراليٍّ، حيث توجد الحكومة الفيدرالية في العاصمة أديس أبابا، والتي يرأسها آبي أحمد، بينما تتمتع بقية الأقاليم بحكمٍ ذاتيٍّ، تقريبًا، كما تتعدّد القوميات في إثيوبيا، والتي تصل إلى نحو 80 قوميةٍ، لكلٍّ عاداتها وتقاليدها، ولغتها، وتتمثل في:  قومية الأورومو، التي تسكن في إقليم أروميا جنوب غربي ووسط إثيوبيا، وتمثل 38% من السكان، وقومية الأمهرية التي تقطن شمال ووسط إثيوبيا: 27%، وقومية التيغراي، وتقطن شمال إثيوبيا: 7%، والقومية الصومالية، تتموقع شرق إثيوبيا: 5%، وقومية السّيداما: 4%، وقومية الجوراج: 2.5%، بحسب رويترز.


تداعياتُ الأزمة الإثيوبية


ترى الباحثة داليا سعد الدين،  الباحثة المتخصّصة في التاريخ الحديث والمعاصر للقرن الإفريقي وحوض النيل، في تقرير لها، أنّ إثيوبيا تمثّل  "نقطة ارتكاز" مهمّةٍ لضمان أمر واستقرار منطقة القرن الإفريقي، على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وهو ما جعل الدول العظمى، وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، تعمل على وضع حدٍّ لهذه الحرب، التي قد تتحوّل إلى حربٍ أهليةٍ بين مختلف القوميات في إثيوبيا التي تعدُّ أكثر من 117 مليون نسمةٍ، كثاني أكبر دولةٍ إفريقيةٍ من حيث عدد السكّان.  

وتشدّد الباحثة على أنّ تداعيات الأزمة الإثيوبية ستصل إلى دول الجوار، وهو ما يكون له تأثيرٌ كبيرٌ على "مصالح اقتصاديةٍ وسياسيةٍ إقليميةٍ، وعالميةٍ، سواء في إثيوبيا نفسها، أو في ما يجاورها من الدول".

واعتبرت أنّ هذه الأزمة "تهدّد مصالح بعض الدول العربية، اقتصاديًا، وسياسيًا، وعسكريًا أيضًا، في كلٍّ من جيبوتي، وإريتريا، والصومال، وهي مصالح تمّ تدعيمها بين تلك الدول، وبين كلٍّ من الإمارات والسعودية، خاصّةً منذ اشتعال الحرب في دولة اليمن عام 2015". وشدّدت على أنّ "سيطرة قوات تيغراي على الطريق البري، وأيضًا على خط السكك الحديدية الرابط بين جيبوتي وإثيوبيا، يؤثر على دولة جيبوتي، وبالتالي ستولد أزماتٌ اقتصاديةٌ واجتماعيةٌ جرّاء الصراع الذي طال المنطقة العفارية (ولاية عفر، موطن قومية العفر)، التي يقع شطرٌ كبيرٌ منها في جيبوتي".

وأشارت إلى أنّ إمكانية تعريض كلّ من إثيوبيا وإريتريا إلى عقوباتٍ دوليةٍ، خاصةً بعد انخراط نظام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في دعم حكومة آبي أحمد، في حربه ضد متمرّدي إقليم تيغراي. وينتظر أن يكون تأثير الأزمة على الصومال أكبر، في ظلّ سحب قوات الجيش الإثيوبي من إقليم أوغادين، وهو ما يجعل القوات الجهادية تعود إلى النشاط في الإقليم، وخاصةً حركة الشباب الجهادية، التي لا يقتصر نشاطها على ذلك الإقليم، أو الصومال فقط، بل في كامل القرن الإفريقي.

وعلى المستوى الإقليمي، تقول الباحثة داليا سعد الدين: "ستتأثر إستراتجيات القوى الكبرى، ذلك أنّ احتمال تجاوز الأزمة الإثيوبية للحدود واردٌ، لتتحوّل إلى حربٍ إقليميةٍ تهدّد أمن دول المنطقة كلّها، واستقرارها، ومن ورائها الاقتصاديات العالمية"، مؤكدةً أنّ "تداعيات الأزمة الإثيوبية ستؤدّي إلى زيادة المجاعات، وتردّي الأوضاع الإنسانية في المنطقة، وأيضًا إلى ازدياد أعداد اللّاجئين إلى دول الجوار".