الأخبار الواردة من العراق تشير إلى إحداث تغييراتٍ في نتائج الانتخابات البرلمانيّة التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والمصرّح بها من طرف المفوضية العليا للانتخابات العراقية، وذلك تحت الضغط النفسي الكبير الذي تمارسه القوى الخاسرة، والموالية لإيران، التي ستخسر مواقعها في البرلمان والحكومة، حيث لم يحصل تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، إلا على 17 مقعدًا بعد أن كان تربّع على المركز الثاني في انتخابات 2018 بحصوله على 48 مقعدًا، تاركًا مكانه للتيار الصدري بزعامة الرجل الشيعي، مقتدى الصدر، الذي فاز بانتخابات 2021 بحصوله على 73 مقعدًا من أصل 329.

هذه التعديلات المنتظرة، وإن تكن طفيفةً، ستؤكد "تزوير الانتخابات"، ولو جزئيًا، في بعض المراكز، وستشكّك في مصداقية الأمم المتحدة، بعد أن أكدت المبعوثة الأممية للعراق، "جنين هينيس بلاسخارت"، في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أمام مجلس الأمن الدولي، على "نزاهة الانتخابات"، في الوقت الذي اتّهمتها بعض الأطراف الخاسرة بأنها "شاهدةٌ على التزوير".

وجدّد مقتدى الصدر، الفائز في الانتخابات، الطلب في تشكيل حكومةٍ ذات "أغلبيةٍ وطنيةٍ"، بعيدًا عن حكومةٍ ائتلافيةٍ، وشدّد على أنّ التيار الصدري "لا يأخذ أوامر من خارج الحدود"، في إشارة إلى الأحزاب الموالية لإيران، والتي تأتمر بأوامرها، وتستمدّ منها قوّتها في مراجعة نتائج الانتخابات، وفرض نتائج جديدةٍ، قد تكون على حساب المستقلّين، الذين يمثّلون الحلقة الأضعف في انتخابات العاشر من أكتوبر الماضي.

يرى متابعون للشأن العراقي، أنّ تغيير نتائج الانتخابات، تحت تأثير الأحزاب الموالية لإيران، يفتح الباب على مصراعيه، لتواصل الفوضى، وإراقة دماء العراقيين، خاصةً وأنّ البعض هدّد باستعمال السّلاح، "في حال لم يتمّ تصحيح التزوير".

فكيف سيتغيّر مستقبل العراق إلى الأفضل، أم أنّ ما يحصل لا يمكن إلا أن يكون امتدادًا لنهج الفوضى والفساد الذي تعيشه العراق منذ نحو عقديْن؟.


ترضياتٌ سياسيةٌ وراء تغييراتٍ في نتائج الانتخابات


أنهت المفوضية العليا للانتخابات العراقية، أمس الخميس، العدّ والفرز اليدوي للمراكز الانتخابية التي أُعيد فتحها، بغاية التدقيق، والبتّ في الطعون التي تقدمت بها الأحزاب الخاسرة، والموالية لإيران. وتمّ التدقيق في 870 محطة، من عديد المحافظات شديدة التنافس بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وقوى أخرى مختلفةٍ، مدعومةٍ من إيران، وعلى رأسها تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، الذي يمثّل الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي" الذي يحصل على رواتبه من الدولة.

وأكدت بعض التّسريبات من المفوضية العليا للانتخابات العراقية أنّ تغييرًا هامًّا سيحدث على مستوى النتائج الأولية التي تمّ الإعلان عنها، بعد انتخابات العاشر من أكتوبر الماضي.

وأشار عضو مفوضية الانتخابات، عماد محسن، إلى أنّ المفوضية باتت مستعدّةً للإعلان عن النتائج الجديدة، بعد البتّ في الطعون التي تقدمت بعض الأحزاب الخاسرة، والموالية لإيران، مشيرًا إلى أنّ "تغييرًا قويًا" سيحدث، اعتبارًا لنتائج الطعون التي كان لها تأثيرٌ معتبرٌ خاصةً وأنّ "الطعون أثرت كثيرًا في النتائج المعلنة سابقًا، بسبب المركز الانتخابية التي تمّ إلغاؤها من طرف الهيئة القضائية".

وقال محسن، في تصريحٍ لوكالة الأنباء العراقية، إنّ: "المحكمة الاتحادية تقوم بالمصادقة على أسماء الفائزين بالانتخابات، بينما تصادق الهيئة القضائية على الطعون"، مؤكدًا أنّ النتائج النهائية وأسماء الفائزين بمقاعد في البرلمان الجديد "ستقوم المفوضية العليا برفعها إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها، واعتبارها نهائيةً".

وكانت الهيئة القضائية التابعة للمفوضية العليا للانتخابات العراقية، اتخذت قرارًا بإلغاء عددٍ من المحطات والمراكز الانتخابية، لما شابها من خروقاتٍ وتجاوزاتٍ.

وأكد مسؤولان عراقيان للعربي الجديد، أنّ التغييرات التي ستحدث على مستوى نتائج الانتخابات قد تصل إلى 10 مقاعد أو أكثر بقليلٍ، سيتمّ منحها إلى قوى وأحزابٍ معارضةٍ قدمت طعونًا في نتائج الانتخابات، في إشارةٍ إلى القوى الحليفة لإيران، والتي تعتصم أمام بوابة المنطقة الخضراء منذ أسابيع، ما يمثل ضغطًا قويًا على المفوضية العليا للانتخابات في العراق.

وكانت المفوضية في الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنهت التدقيق في أكثر من 14 ألف محطةٍ انتخابيةٍ يدويًا، دون أن يجد ما يثبت التلاعب أو التزوير، وهو ما يؤكد نزاهة الانتخابات، وأحقية الفائزين بالمقاعد في البرلمان الجديد.

واعتبر المسؤولان أنّ إعادة فرز والتدقيق في 870 محطة انتخابية جديدة، وإحداث تغييراتٍ على مستوى النتائج، وبخاصةٍ في محافظات نينوى، والبصرة وكركوك، وبغداد، وصلاح الدين وبابل، ما هي إلا ترضية سياسية للخاسرين في الانتخابات، من الموالين لإيران، في محاولةٍ لفرض الاستقرار، وإبعاد العراق عن شبح الفوضى والإرهاب، وعودة الاغتيالات.


العامري يطعن ويواصل التّهديد


هادي العامري، زعيم تحالف "الفتح"، الموالي لإيران، والذي يمثّل الشقّ السياسي للحشد الشعبي، يقوم باتّصالاتٍ مع قوى عراقيةٍ قريبةٍ منه، بهدف حشد الضغط على حكومة مصطفى الكاظمي، ومفوضية الانتخابات، لتغيير النتائج المعلنة، سابقًا، بسبب ما اعتبره "تزويرًا في الانتخابات في عديد المحافظات".

والتقى العامري بحيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وكذلك أيد علاوي، رئيس "ائتلاف الوطنية" حيث تمّ التباحث بخصوص ملف "تزوير الانتخابات".

وشدّد العامري، في بيانٍ لتحالفه، على "أهمية التدقيق في نتائج الانتخابات، والتمحيص الجيّد في الطعون المقدّمة، والوثائق التي تؤكد حصول التزوير، عبر السلطات القضائية المختصّة"، مؤكدًا على أنّ تحالف "الفتح" قدّم طعنًا إلى المحكمة الاتحادية العليا يتضمّن جميع المؤيدات التي تؤكد التزوير في نتائج الانتخابات".

وإلى جانب اتصالاته السياسية، تتواصل الاعتصامات في خيماتٍ تمّ نصبها منذ أسابيع أمام البوابة الرئيسية للمنطقة الخضراء، مع التهديد بالاقتحام والاعتصام داخل المنطقة المحصّنة والتي تضمّ جميع المراكز الحكومية.

وأيّد القيادي في حركة "عصائب أهل الحق"، سعد السعدي، مواصلة ما اعتبره "تصعيدًا سلميًا" ضد "الجهات التي زوّرت الانتخابات"، داعيًا المفوضية العليا إلى إلغاء نتائج الانتخابات، وتصحيح ما شابها من تزوير، مؤكدًا للعربي الجديد، أنّ "عشرات المقاعد سُرقت منّا، ونعمل على استرجاعها". 


طعنةٌ في قلب العملية الديمقراطية في العراق 


التغييرات التي ستدخل على نتائج انتخابات العاشر من أكتوبر الماضي لن تكون إلا على حساب المستقلّين الذين لا سند لهم، ويمثلون الحلقة الأضعف في الساحة السياسية العراقية، وهو ما أكده الباحث في الشأن العراقي، أحمد النعيمي، عندما أكد أنّ "القوى المعترضة المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي" تهدف لممارسة سياسة الضغط القصوى على الجميع، للحصول على أكبر قدرٍ تعويضيٍّ من المقاعد"، معبّرًا عن خشيته من أنّ "هذا التعويض"، سيكون على حساب "المستقلين والمدنيين الفائزين".

وأكد أنهم يمثّلون "الحلقة الأضعف الآن، إذ لا يمكن أخذ أيّ مقعدٍ من مقاعد التيار الصدري، مثلاً، أو مقاعد تحالف "تقدم"، مشيرًا إلى أنّ "الإيرانيين سبق أن أعلنوا رفضهم إلغاء الانتخابات، وتحفّظوا على طريقة تعامل حلفائهم مع الحكومة والمفوضية، وهو ما يعني أنّ التصعيد الحالي ليس لإلغاء النتائج، بل للحصول على مقاعد إضافيةٍ".

وكشف إلى أنّ التحرّكات الحالية على مستوى المفوضية العليا للانتخابات، تعمل على الرفع من مقاعد قوى "الإطار التنسيقي" إلى أكثر من 70 مقعدًا بدل 65 مقعدًا في النتائج الأولية، وذلك بهدف منح هذه القوى الأفضلية، أو التساوي مع تحالف "الفتح" بزعامة مقتدى الصدر، حتى يفقد بالتالي، مكانة الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي الجديد، والتي تخوّل له، قانونيًا، تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مقتدى الصدر.

وأشار الباحث العراقي، إلى أنّ التغييرات التي ستدخلها مفوضية الانتخابات على النتائج التي تمّ الإعلان عنها سابقًا، ستدخل الشكّ في الشارع العراقي، ليتأكد فعلًا من عدم نزاهة الانتخابات، وأنها غير قادرةٍ على التغيير، وهو ما يفسّر نسبة المشاركة المتواضعة، والتي لم تتعدّ 41% من جملة الناخبين المسجّلين.

ويتأكد أنّ القوى السياسية المسيطرة على المشهد السياسي في العراق هي التي تفرض على تراه مناسبًا في ظلّ ضعف الدولة، وتفشي مظاهر الفساد، وعدم قدرة السلطات القائمة على التحكم في ما يدور في العراق. 

وشدّد النعيمي على أنّ "حصول القوى الشّيعية الخاسرة على مقاعد، بعد أن تمّ التأكد من سلامة الانتخابات، ومطابقة البيانات بين العد اليدوي، والإلكتروني، يمثّل طعنةً في قلب العملية الديمقراطية في العراق، خاصةً وأنّ هذه الترضيات تأتي على حساب مقاعد المستقليّن في البرلمان".


انتقاداتٌ لاذعةٌ لحلفاء إيران


انتقد زعيم التيار الصدري، الفائز في انتخابات العاشر من أكتوبر، مقتدى الصدر، القوى الحليفة لإيران، من خلال تأكيد على أنّ تيّاره "لا يأخذ أوامره من خلف الحدود".

وأكد مقتدى الصدر أنه لن يشترك في حكومة توافقيّةٍ، أو حكومةٍ ائتلافيّةٍ، موضّحًا، أنّ "الذهاب إلى المعارضة أفضل".

وشدّد مقتدى الصدر على أنّ التيّار الصدري هو الضمانة لعدم تبعيّة العراق إلى أيّ جهةٍ خارجيةٍ، وقال: "قرارنا عراقيٌّ، ولا نأخذ الأوامر من خلف الحدود إطلاقًا"، مشيرًا إلى أنّ "بعض الأحزاب تسعى لاستمالة المستقلّين سواء بالترغيب، أو بالترهيب، لعدم امتلاكه ميليشيا أو جناحًا مسلّحًا"، بحسب قناة "الحرة".

وأضاف الزعيم الشيعي: "هناك من يتعدّى على المستقلّين من أجل إسقاطهم، وإخراجهم من الانتخابات، بهدف وصول بعض المتحزّبين، وأساسًا الطرف الذي يعتبر نفسه خاسرًا". وقال، إنّ: "بعض الجهات السياسية لا تتورّع حتى عن القتل لتحقيق ذلك".

ويبقى التيار الصدري في حاجة إلى أغلبية الثلثيْن حتى يتمكن من تشكيل حكومةٍ ذات أغلبيةٍ برلمانيةٍ، وذلك بالتنسيق مع قوى أخرى، قريبةٍ منه، بالرغم من أنه يتقدّم على تحالف ّتقدّم" برئاسة الرئيس الحالي للبرلمان، محمد الحلبوسي، والذي تحصّل على 37 مقعدًا، ثم تحالف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، بحصوله على 34 مقعدًا.