75 سنة مرت على النكبة، ولا يزال اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعانون من تابعاتها، فلا تلوح في الأفق ملامح أيّ تسوية تحفظ حقوقهم، وبدأ حلم العودة يتلاشى تدريجيًا، ففي مخيّمات أصبحت كالجحر، لم يعد أمام الشبان الفلسطينيين إلا أحلام محطمّة وأمل وحيد بالهجرة من بلد لم يحتضنهم بما فيه الكفاية، حتى قبل أن يفتك به انهيار اقتصادي غير مسبوق.

بين أوجاع تنقلب على كفي النكبة والتهجير، وقسوة الواقع المعاش نتيجة التمييز، والأوضاع الاقتصادية بالغة السوء، تتعدد أشكال المعاناة التي أصابت اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الغريب أن الأوضاع التي يعيشها اللاجئون في لبنان تختلف بشكل كبير عن ما يعيشه باقي اللاجئون الفلسطينيون في مختلف أماكن وجودهم في الشتات، سواء في الدول العربية أو مناطق عمليات الأونروا الخمس، فلدى كل فلسطيني في لبنان حكاية وقصة عن الحياة والمعاملة التي يتعرض لها، تنوعت بين الحرمان والتمييز فلا حق لهم في الرعاية الصحية العامة وغيرها من الخدمات الاجتماعية، في الوقت الذي لا يستطيع معظمهم دفع تكاليف الرعاية الصحية الخاصة لغلائها، ولا يملكون الحق في امتلاك العقارات والممتلكات، كما أن هناك قيوداً مفروضة على إقامة المباني في المخيمات الفلسطينية أو حولها. ولا يتمكن أغلب اللاجئين لعدة أسباب من الالتحاق بالمدارس والجامعات اللبنانية، خاصة أنهم لا يستطيعون الحصول على أوراق ثبوتية بسبب القوانين التي تمنعهم من الحصول عليها بل وتعدى ذلك لحد وجود العديد منهم بصفة غير قانونية داخل الأراضي الفلسطينية.

الأرقام  والإحصائيات تقول إن 90% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خطر الفقر المدقع، وهذا ما يتسبب بخسائر اجتماعية ونفسية فادحة،  وصلت لحد عدم استطاعتهم تحمل تكلفة أكثر من وجبة واحدة يوميا إن وُجدت، وسط أوضاع اقتصادية متدهورة وأوضاع اجتماعية أقل ما يقال عنها انها كارثية، خاصة  مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ عام 2019، والتي تعتبر واحدة من أكبر 10 أزمات على مستوى العالم منذ القرن التاسع عشر. والتي مس تأثيرها على جميع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

واقعيا يجب قراءة الوضع المعيشي لفلسطينيو لبنان ضمن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد والتي أدت إلى الانهيار الشامل في قطاع العمال والموظفين، فالفلسطينيون محرمون من العمل في أغلب المجالات، والاقتصاد اللبناني مغلق تماما أمامهم، ويتوافق هذا الاتجاه المعمول به منذ أمد طويل مع الرؤية التي تقول أن اللبنانيين أولى باقتصاد بلادهم، قد تكون الحجة عنصرية لكنها حقيقية ولاتزال الحكومة اللبنانية تعمل بها لحد الساعة، في حين أن العديد من الفلسطينيين وُلدوا ودرسا وعملوا وتزوجوا وأنجبوا في لبنان، وليس له بلد آخر يذهبون إليه، رغم كل ذلك يُعاملون معاملة الغريب، فالدولة اللبنانية لا تعتبر اللاجئين الفلسطينيين مواطنين، وترفض منحهم الجنسية اللبنانية بذرائع "ثورية شعبوية" تتعلق بالتمسك بحق العودة إلى فلسطين، في حين أن الحقيقة ترتبط بمشكلة طائفية ديمغرافية مفادها أن السلطة لا تريد تعميق الفارق بين عدد المسلمين والطوائف الأخرى إذا ما تمّ تجنيس الفلسطينيين، وهو الموقف الذي اتُخذ منذ وصول أول لاجئ فلسطيني للأراضي اللبنانية عام 1948، ومنذ ذلك الحين لم تتم مراجعة هذا الموقف رغم وجود مقترحات قوانين أدرجت منذ سنوات على جدول أعمال المجالس النيابية اللبنانية المتلاحقة لتعديل الإجحاف بحق الفلسطينيين، لكنها لم تر النور حتى الآن

الأوضاع المزية دفعت بالعديد من اللاجئين الفلسطينيين إلى اختيار طريق الهجرة ومغادرة الأراضي اللبنانية خاصة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية المتجذرة في عقود من الفساد وسوء الإدارة، حيث فقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها، بينما فقد عشرات الآلاف من الناس وظائفهم وارتفعت أعداد العاطلين عن العمل، فلا عمل يكفل كرامة الفلسطيني المشتت داخل لبنان، ولا حق له في العودة إلى وطنه، ولا آذان صاغية تستمع لمعاناته، فحتى وكالة الأونروا قلصت خدماتها بشكل كبير بسبب نقص التمويل من الدول الغربية التي وإن أنكرت ذلك فهي لا تعبأ بالوجود الفلسطيني أينما كان.

 وعلى هذا الوضع تمر الأيام ويزداد معها الخوف من المستقبل الغامض في حال طال أمد الأزمة وتفاقمت الأوضاع المعيشية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، ليبقى التساؤل مطروحا: أيعقل أن يعاني لاجئ عربي داخل بلد عربي!! ولماذا يرفض هذا البلد احتواء الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى ديارهم؟ وهل توطين الفلسطينيين في لبنان يشكل خطرا فعليا على الدولة أم أنها مجرد ذرائع وحجج فارغة يتم استخدامها فقط لعدم اختراق الفرد الفلسطيني ضمن نسيج المجتمع اللبناني ليظل في ثوب اللاجئ الغريب؟.