في ظل صراع الغاز الشرس في شرق البحر المتوسط يحسب للأدارة المصرية وهي تتحرك على تلك الرقعة الهامة جدا جيوسياسيا حسن إختيارها للشركات التي تقوم بأعمال الحفر والتنقيب والاستكشاف في كل منطقة وحسب متطلبات كل وقت، فاختيار شركة "إيني"الايطالية خلال تثبيت أركان نظام 30 يونيو كان اختيار مناسب، وكما أتت مصر بشركة "شيفرون" الأمريكية (أحد الشركاء في حقل “تمار” الإسرائيلي) للتنقيب في اخر نقطة من حدود مصر الاقتصادية مع دولة الاحتلال، قبل ان تعلن شيفرون اكتشاف حقل “النرجس” باحتياطات تفوق 3 تريليونات قدم مكعب شمال العريش، كذلك تواجد شركة "شيفرون" بسواحل مصر الغربية والبحر الأيوني هي خطوة عبقرية لتمزيق مخططات التركي في شرق المتوسط، بعد ان فتحت ابواب ليبيا برا وبحرا أمام الغازي العثماني منذ سنوات.

 

وبالتأكيد في ظل حرب الغاز بين روسيا والغرب وجود شركة "شيفرون" الأمريكية في السواحل المصرية الغنية بالغاز يمثل أهمية كبرى لواشنطن، لذلك لم نسمع أي ردة فعل غربية على قرار ترسيم مصر حدودها البحرية مع ليبيا من جانب أحادي، بل كان هناك دعم امريكي لمصر خلال لقاء الرئيس السيسي بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن منتصف ديسمبر الماضي، عبر الموافقة على بيع أسلحة وقطع بحرية حديثة لمصر.

ولعل ذهاب مقاتلات سو35 الروسية التي كانت مقررة للقاهرة الى طهران يجعل واشنطن تندم على ضغطها الشديد على الادارة المصرية للتراجع عن إتمام تلك الصفقة.

نعود الى ليبيا، بعد المصافحة بين السيسي وأردوغان خلال افتتاح مونديال قطر، وذهاب خيال الاتراك بعدها الى بعيد، وقع وزيري دفاع مصر واليونان في القاهرة على اتفاقيات أشرنا لها في رسالة موجهة لتركيا في المقام الاول، ثم استغلت مصر غثيان واشنطن من لاعب البهلوان التركي، كذلك غضب جو بايدن من الأمير محمد بن سلمان بعد ان مرغ السعودي أنفه في الوحل والنفط معا، واستلمت القاهرة  قيادة طاقم عمليات القوات البحرية المشتركة (CMF) بالبحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب، ولا يفوتنا توقيت رفض القاهرة تسليم جزيرتين تيران وصنافير للسعودية (كما كان يرغب الأسرائيلي).

فما كان أمام التركي المتحير في أمر التعامل مع مصر التي عقدت لقاءات هامة بين رئيسي مجلس النواب والدولة بليبيا على أمل تحقيق أي تقدم ملموس في دولة مقسمة بين أجسام جميعها ميتة أكلينيكيا فارغة سياسيا، إلا ان تنتهج أقصى درجات العبث السياسي عبر اعلان إسطنبول تشكيل حكومة جديدة في ليبيا بقيادة الإرهابي علي الصلابي لإعادة تدوير الإخوان في ليبيا.

أخيراً وليس آخراً ما تم تسليط الضوء عليه بتلك المقالة هي رقعة صغيرة (شرق المتوسط) في ذلك العالم الكبير الذي يستعد لتغيير ملامحه بالكامل، كما قال الرئيس المصري أثناء الاحتفال بعيد الميلاد المجيد.

فادي عيد وهيب

المحلل السياسي المتخصص في شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعكس بالضّرورة مواقف الإدارة المشرفة على الشّبكة التي تتحلّى بأقصى درجات الحياديّة