اقتتال فلسطيني فلسطيني داخل الأراضي اللبنانية، هذا ما حدث بالفعل  قبل أيام فقط في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين أو كما يحلو للبعض تسميته بعاصمة الشتات في لبنان، وسط نزوح السكان هرباً من الموت المجاني، في مأساة جديدة تفاقم من كونهم ضحايا أزليين لصراعات متعددة، حتى وهم خارج وطنهم الأم غير أن الصراعات تلحق بهم أينما رحلوا.

مهما تعددت أسباب الاشتباكات التي أدت إلى مقتل 13 شخصا، لكنها جاءت مفتعلة بشكل مفضوح ودون مقدمات، والتساؤل الملح حتى هذه اللحظة، هو لماذا اندلعت هذه الاشتباكات؟ ولماذا تم افتعالها في هذه الظروف التي يعيشها لبنان والقضية الفلسطينية؟

قد تكون الإجابة عن هذا التساؤل تنطوي على العديد من الأوجه التي من شأنها أن تتلخص في سبب واحد وهو الانقسام الفلسطيني الذي لا يزال حتى هذه اللحظة، يتسبب في شرخ عميق بين الفصائل الفلسطينية، سواء في الداخل أو الخارج، فشرارة بداية الاشتباكات بدأت باغتيال أعلى رتبة عسكرية في الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا، على يد أحد الأشخاص ومجموعته، فيما يبدو أنها محاولة لخلق فتنة داخل المخيم، وإحداث بلبلة عن طريق افتعال أحداث خطيرة لم تخلوا في جوهرها من نوايا خبيثة تستهدف الوجود الفلسطيني وأمنه داخل الأراضي اللبنانية، فهي ليست المرة الأولى التي تحصل فيها خلافات في  مخيم عين الحلوة  تؤدي إلى حدوث اشتباكات تنتهي عادة  بـوساطات تؤدي إلى وقفها، لكن الشيء المفارق اليوم فهو توقيت هذه الاشتباكات والتي تزامنت مع الجهود التي تبذلها مصر لوقف الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية من خلال لقاء جمع قادة الفصائل الفلسطينية في القاهرة، لتُفسد الاجتماع الذي كان من الممكن أن يعيد الأمل بإنهاء الانقسام الفلسطيني أو على الأقل تقليل التوتر داخل الساحة الفلسطينية.  

عملياً لا يمكن النظر إلى الاشتباكات التي اندلعت في عين حلوة بمعزل عن الأطياف الخارجية والتي لها مصلحة في تعميق الهوة بين الفلسطينيين داخل المخيم، ومحاولة ترسيخ الانقسام بما يخدم مصالحها الشخصية، فالفكر المتشدد داخل مخيم عين الحلوة، له ارتباطات خارج المخيم، ويتأثر بأحداث المنطقة وصراعاتها وانقساماتها، وهو ما حدث بالفعل، وقد تكون هذه الأحداث لها غاية أخرى كمحاولة زعزعة الأوضاع في لبنان الذي يمر بفترة استثنائية، على المستوى السياسي والأمني خاصة على الحدود.

تداعيا الاشتباكات المسلحة التي دارت خلال الأيام الماضية في مخيم عين الحلوة خطيرة للغاية، وهنا لا بد من التوضيح أن مثل هذه الأحداث تأثر بشكل سلبي على القضية الفلسطينية من جهة، وعلى الوضع العام للفلسطينيين داخل الأراضي اللبنانية من جهة أخرى والذين يعانون من ظروف اجتماعية ومعيشية متدهورة، ومثل هذه الأحداث تزيد من قسوة الأوضاع عليهم، خاصة أن ألفي منهم نزحوا من مناطق الاشتباكات تاركين وراءهم كل ما يخصم، في مشهد أشبه بمن يهرب من الصراع لصراع آخر، فهؤلاء نفسهم من نزحوا وهجروا من منازلهم بسبب الاحتلال قبل سنوات طويلة.

وبين هذا وذاك تستمر الخلافات الفلسطينية سواء داخل فلسطين أو خارجها،  لتزيد من حجم مآسي الفلسطينيين الذين أصبحوا يعانون من آثار هذا الانقسام بشكل كبير، وما يجب فهمه هو أن التيار أو الاتجاه الذي يسلكه أي فلسطيني لا يجب أن يؤثر على انتمائه وهدفه الأساسي وهو نصرة القضية الفلسطينية، والتي عانت بما فيه الكفاية من الخذلان المحيط بها ليلحق بها الانقسام الذي أضعفها بشكل كبير، وهنا لابد من الإشارة إلى مبدأ أن الدم الفلسطيني حرام على الفلسطيني مهما تعددت الأسباب، وأن الوحدة هي السبيل الوحيد لهزم الاحتلال ونصرة القضية الفلسطينية.