"إلى أين المفرّ، طالبان أمامي، والفقر ورائي، وبالتالي ليس أمامي غير الارتماء في أحضان المجهول"، هذا ما كان على لسان حال الشاب زكي أنواري، لاعب المنتخب الأفغاني، وهو يفرّ مع أهله وعشيرته إلى مطار كابول، قبل وصول مقاتلي طالبان.

كان يزاحم، مثل غيره من الشباب الأفغاني، الفارّ من جحيم طالبان، والحالم بنسيم الحرية، بين شوارع باريس، أو لندن، أو برلين، أو مدريد، بعيدًا عن كابول، وقندهار، وهرات، ومزار شريف..

التصق زكي أنواري، الشاب الأفغاني الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة من العمر، بعجلات طائرةٍ أمريكيةٍ، وتشبّث بذلك، رغم المخاطر التي كانت تحدّق به.

كان يعرف أنّ إمكانية نجاح محاولته الهروب عبر عجلات طائرة نفّاثةٍ أمرٌ مستبعدٌ جدًّا، ولكنه رغم ذلك تشبّث بخيطٍ رفيعٍ من الأمل، فقد يكون شاهد في أحد الأفلام الهوليودية، أو قرأ إحدى المغامرات، عن شابٍّ نجح في الهرب من خلال التشبث بإحدى عجلات الطائرة، ولذلك فقد قامر بحياته من أجل هذا الأمل الرفيع في النجاة والهرب من جحيم طالبان، رغم أنه لا يعرف عنهم شيئًا، اعتبارًا إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تتواجد في أفغانستان منذ 2001، عندها لم يكن موجودًا أصلًا، وربما لم يكن غير فكرةٍ، أو نزوةٍ..

أقلعت الطائرة الأمريكية، التي لم يسمح قائد الطائرة لمن كان يريد الهرب أن يصعد، ويركب في أمانٍ، وانطلق غير عابئٍ بهؤلاء الأفغان المساكين، الفارّين من جحيم طالبان، والذين لم يجدوا خيرًا في الأمريكان حتى يمدّوا لهم يد المساعدة، رغم أنّ أفلامهم تسوّق لعكس ذلك تمامًا.

ارتفعت الطائرة، ولم تتجاوز حتى ساحة المطار، أو ربما لم تبارح حتى حدود كابول، لأنّ جميع من كان في المطار، كان يتابع المشهد، وهم يرون عددًا من الشباب الأفغاني تمكنوا من الالتصاق بعجلات طائرة أمريكية..

المشهد كان فظيعًا، وحزينًا، ومؤلمًا، لمن كان بين جنباته ذرّةٌ من إنسانيةٍ غائبةٍ، عجز الشّبّان عن التشبّث بالعجلات، ما إن عمل قائد الطائرة، على إعادة العجلات إلى مكانها، بعد أن أحكمت الإقلاع..

لقد سقط الشبان الواحد تلو الآخر، من عُلوٍّ لا يقلّ عن 300 مترٍ، سقطوا كالحجارة، تمامًا مثل تلك القنابل التي كانت تلقيها طائرة "ب 52" على المدن الأفغانية، الواحدة تلو الأخرى، ربما أُعيدَ المشهد لمن عاش من الأفغان، أكتوبر/تشرين الأول 2001، عندما كانت الطائرات الأمريكية، تلقي قنابلها على قندرهار، مزار شريف، وجبال تورا بورا، بحثًا عن أسامة بن لادن، لتقل الآلاف من الأفغان الأبرياء.

لقد كان المشهد سرياليًا، مُؤلمًا حدَّ الفجيعة، مروّعًا أدمى قلوب الملايين، من كانوا في المطار، أو من كانوا يتابعون عبر البثّ المباشر، أو من شاهدوا فيديو الفجيعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتمّ التعرّف على الضحايا الأبرياء إلا بعد ثلاثة أيامٍ، لأنه لم يبقَ فيهم شيءٌ يمكن التعرّف عليه.    

مات زكي أنواري، وماتت معه أحلامه، ولم يستنشق نسيم الحرية في شوارع باريس، أو لندن.. ولكنه قد يستنشقها، يومًا ما، في مكانٍ ما.. رحم الله الشاب الأفغاني زكي أنواري. 

هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعكس بالضّرورة مواقف الإدارة المشرفة على الشّبكة التي تتحلّى بأقصى درجات الحياديّة