كتب الصحفي أحمد عيادي

بعد مرورو أكثر من عامين على الحرب الاسرئايلية التي مزّقت قطاع غزة وأغرقت نحو نصف سكانه في الجوع والفقر، بدأت أصوات داخلية تتعالى ــ ليس فقط من الشارع الغزّي المنهك ــ بل من داخل الفصائل نفسها، حيث عبّر ناشطون ميدانيون عن غضب غير مسبوق تجاه القيادة التي اتُّهمت بالانشغال بمصالحها وترك مقاتليها يواجهون الجوع والموت وحدهم.

ونقلت مصادر عن مقربين من ناشطين في حركة الجهاد الاسلامي ، فضّلوا عدم الكشف عن هوياتهم خوفًا من الملاحقة، إن “القيادة تعيش في عالم آخر”، وإن التنظيم لم يعد قادرًا على توفير حتى الحد الأدنى من الدعم المالي لعناصره، ما أدى إلى ضغوط اجتماعية خانقة وتهديد الاستقرار الداخلي للتنظيم.

ويؤكد أحد النشطاء: “لم نعد قادرين على مجابهة مطالب عائلاتنا… لا رواتب، لا مساعدات، ولا سند. القيادة تتصرف وكأنها فوق الألم”. ويضيف آخر: “الفساد أصبح ظاهرة… والفوضى مستمرة داخل الصفوف دون محاسبة”.

صراع داخلي داخل الجهاد… ومخاوف من انفجار تنظيمي

مصادر داخلية في الجهاد الإسلامي تقول إن التنظيم يعاني “أزمة هوية”، وإن العلاقة بين القيادة والعناصر الميدانيين وصلت إلى نقطة توتر خطيرة. وتضيف أن “الفساد المالي، وفوضى القرارات، واحتكار الامتيازات” أدت إلى حالة من الانقسام لم يشهدها التنظيم منذ سنوات.

ويقول أحد الناشطين: “اجتمعنا لأننا شعرنا أننا وصلنا إلى طريق مسدود… لم نعد نستطيع الاستمرار بينما عائلاتنا بلا طعام”. ثم يضيف: “لن نصمت بعد الآن”.

ويرى محللون أن هذا التململ، وإن بقي مكتومًا، قد يتطور لاحقًا إلى تفكك داخلي أو انشقاقات صغيرة إذا استمرت الأزمة المعيشية وتراجعت قدرة التنظيم على تمويل نفسه في ظل انحسار الدعم الايراني في ظل تحكم اسرائيل في مداخل ومخارج القطاع.

قيادة في الخارج… ووضع مزري للمقاتلين  في الداخل

وتتزامن هذه الانتقادات مع غضب شعبي واسع في الشارع الغزّي تجاه حماس والجهاد الإسلامي، إذ يرى كثيرون أن الحركتين فشلتا في إدارة القطاع خلال الحرب وبعدها، وأن كبار القادة يعيشون في الخارج أو في ظروف محمية بعيدًا عن الفقر والمجاعة.

ويقول الباحث محمود شحادة إن “المنظومة التي كانت تنظّم توزيع المساعدات انهارت، وتحولت إلى شبكات مصالح مسلّحة”. ويضيف: “الشارع الغزّي يعيش اليوم تفككًا اجتماعيًا وأخلاقيًا… حيث أصبحت المساعدات سلعة، والسلاح وسيلة للسيطرة”.

وفي الأسواق المدمّرة مثل النصيرات ورفح وخان يونس، يتحدث السكان بمرارة عن اتساع السوق السوداء للمساعدات. “كيس الدقيق يُباع بـ300 دولار… من يقدر على شرائه؟” تقول أم عبدالله. وتتابع: “القيادات تتحدث من الخارج عن ‘الصمود’… أما نحن فنأكل من القمامة”.

احتجاجات مكتومة وشعارات لافتة

وتزايدت  الاحتجاجات المكتومة ضد حماس والجهاد الإسلامي خلال فترة الحرب، حيث سُجلت تحركات نادرة هُتف خلالها"حماس برا برا" في عدة مناطق، تعبيرًا عن غضب السكان من تدهور الأوضاع وفقدان الثقة بالفصائل.

وترى تقارير بحثية أن النفوذ الشعبي لكل من حماس والجهاد تآكل بشكل واضح بعد الخسائر البشرية الهائلة التي تكبّدتها الحركتان خلال الحرب، حيث قُتل بين 20 إلى 30 ألف عنصر من مقاتليهما، فيما بلغ عدد القتلى الفلسطينيين في القطاع أكثر من 70 ألفًا أغلبهم من النساء والاطفال.

الشرخ بين الأيديولوجيا والواقع

ورغم تاريخ العلاقات الوثيقة بين الجهاد الإسلامي وإيران، وتلقيهما ملايين الدولارات من الدعم الإيراني خلال السنوات الماضية، فإن هذا الدعم لم ينعكس على العناصر الميدانيين ولا على المواطنين، ما أثار تساؤلات حول وجود سوء ادارة قد يصل الى الفساد داخل المنظومة القيادية.

كما يشير باحثون إلى أن الحركتين، لكونهما تنظيمين سنّيين، لم يستطيعا تصدُّر حلفاء طهران كما فعلت ميليشيات شيعية في العراق ولبنان، مما حدّ من دورهما السياسي رغم الدعم المالي والعسكري.