رحل بابا رام داس، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد الذي أصبح بعد ذلك معلمًا روحيًا، وكان هو الذي أقنعني وزمرة من جيلي بالبحث والتمحيص في علم التنوير. فقد قام رام داس باقتحام حياتي في شبابها حينما قرأت له كتاب "كن هنا الآن" في مطلع السبعينيات، والذي كان يزعم فيه أن التنوير يُخلق في لحظة، حسنًا، فليكن هنا الآن.

في منتصف السبعينيات، سمعت رام داس يردد هذه الرسالة أمام حشد مكتظ في إحدى قاعات جامعة كولورادو، حيث ظهر أصلعًا ملتحيًا يرتدي معطف أبيض اللون ناصع، أذهلنا نحن الشباب الباحثون بألاعيبه المرحة والرائعة. فأذكر في العام المنصرم أنني ظللت أفكر في كتاب "كن هنا الآن" حين كنت في المعتكف البوذي واستمر رام داس في البروز ضمن محادثات قد تمت في ندوة بمعهد إسالين، بيت الخلوة الروحية، التي حضرتها قبل بضعة أسابيع.

ولتخليد ذكرى هذا الرجل، سأروي حكاية صغيرة عنه. بدأت الحكاية في عام 1999 حين أجريت مقابلة مع مستكشف العقاقير النفسية تيرينس ماكينا في مدينة نيويورك. حيث قال ماكينا أنه يشكك في قصة شهيرة مذكورة في كتاب كن هنا الآن تتعلق بنيم كارولي، المعروف أيضًا باسم مهراجي، وهو معلم روحي التقى به رام داس في الهند عام 1967 وهو الذي أطلق عليه اسمه الجديد. كان مهراجي عميق التنوير، فكتب رام داس أنه "لا ينتمي إلى العالم لأن أغلبنا ينتمي إليه. إذا لم تراه فإن ذلك يعني أنه قد اختفى فقط في الأدغال أو غادر جسده."

عندما طلب مهراجي "دواءً" من رام داس، أعطاه رام داس ثلاث حبات، تحتوي كل منها على 305 ميكروجرام من ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك، وهي جرعة شديدة للغاية. ابتلع المعلم الروحي الثلاث حبات كلها. فكتب رام داس ما يلي "أنا هنا طوال اليوم وهو يطرف بعينه بين الفنية والأخرى في وجهي ولا شيء لا شيء على الإطلاق يحدث!".

لم يؤثر عقار حمض الليسرجيك على مهراجي، كما أوضح رام داس، ذلك لأن المعلم الروحي كان لديه بالفعل هذه النظرة الروحية العميقة. تؤكد هذه الرسالة الفكرة الجوهرية لكتاب كن هنا الآن، وهي أن الممارسات الروحية على غرار التأمل واليوجا تستطيع أن تؤول إلى مثل هذه الحالة الروحية القوية ولكن على نحو أكثر استقرارًا ودائمية.

بالعودة إلى تيرينس ماكينا. فقد تساءل حول إذا ما كان يمكن لأي شخص، بصرف النظر عن مدى تنوره، ألا يقع تحت تأثير 915 ميكروجرام من عقار حمض الليسرجيك. لقد ظن أن مهراجي الذي رغب في إثارة إعجاب حبيبته الأمريكية، قد تظاهر بتناول عقار حمض الليسرجيك بحركة خفة اليد. حيث كان المعلمون الروحيون الذين قابلهم ماكينا أثناء رحلاته في الشرق قادرين بكل تأكيد على ممارسة ألاعيب من هذا القبيل. وقد قال ماكينا "رأيت ألاعيب شنيعة".

في عام 2001، بدا بول كراسنر، أيقونة الستينيات والصديق القديم لرام داس، مؤكدًا للشكوك المحيطة بقصة رام داس. وباقتباس ما كتبه كراسنر في مجلة الثقافة المضادة هاي تايمز، ذكر كراسنر أن رام داس "يقر الآن أنه قد اختلق القصة التي رواها للباحثين الأمريكيين بشأن الوقت الذي قدم فيه ثلاث حبات من عقار حمض الليسرجيك لمعلمه الروحي في الهند ولم يحدث أي شيء له".

حصلت على رقم هاتف رام داس واتصلت به. لقد عانى النزف الدماغي قبل عدة سنوات؛ وبدت في صوته رعشة. ولكنه كان مصرًا أن حكايته للمهراجي حقيقية. وأنه لم يخبر كراسنر أو أي شخص آخر إلا عندما راسلت أنا كراسنر لأبلغه برد رام داس، قال كراسنر، على حسب ما يتذكر، أن عالم الأنثروبولوجيا ستانلي كريبن قد أخبره أن رام داس تراجع عن قصة مهراجي/ عقار حمض الليسرجيك.

عندما راسلت كريبنر عبر البريد الإلكتروني، أجاب بأن كراسنر أساء فهمه. قال لي كريبنر: "ليس لدي أي سبب لأشكك بقصة رام داس كما قيل في الأصل"، وبذلك عاودت الاتصال بكراسنر لأخبره بما قاله كريبنر. كان لا يزال كراسنر (الذي توفي الصيف الماضي) على يقين أنه قد سمع باعتراف رام داس من أحد الأشخاص. لكنه قد تراجع عن ادعائه واعتذر لرام داس في عدد لاحق من هاي تايمز. والآن تتبادر إلى الذهن المقولة الساخرة القديمة، أي شخص ممن يتذكر الستينيات، لم يكن هنالك بالفعل.

على خطى ماكينا (الذي مات بسرطان المخ في عام 2000)، أشك في قصة العالم الروحي الذي يتناول الحمض، كما أشك في ادعاء رام داس أن مهراجي كان يتمتع بقدرات روحية. (من المفترض أن يستشعر المعلم الروحي، بشكل صحيح، أن والدة رام داس قد ماتت للتو جراء فشل الطحال). كما أخبرني ماكينا، كان الباحثون الغربيون حريصين على تصديق أن أتباع الشرق لديهم قدرات خارقة للطبيعة.

لكن رام داس كان محقًا بشأن العديد من الأمور، لا سيما أنه يجب علينا جميعًا أن نحاول بشكل أكبر أن نكون هنا. ألا نندم على الماضي أو نخشى المستقبل بل أن نركز فقط على الحاضر العجيب الغريب.

المصدر: مجلة scientific american

مع الشكر لمكتب الترجمة المعتمدة فاست ترانس على توليه ترجمة المقالات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية .