برغم التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي عرفتها عديد الدول الإفريقية في السّنوات العشريتيْن الماضيتيْن، إلا أنّ القارة السمراء لا تزال تعاني من الفساد والحروب والتخلّف والفقر المدقع لنسبةٍ عاليةٍ من سكّانها.

ومن أكبر المشاكل التي تعيق إستراتيجيات التنمية في القارة السمراء، القادرة على تخليص النصف مليار أفريقيّ تقريبًا من التخلّف والأمراض والفقر، النموّ الديمغرافي المتسارع، والذي جعل من إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، أكبر منطقةٍ يعيش سكانها تحت خط الفقر، بنسبة 41.3% من مجمل سكان القارة السمراء، التي تعدّ الآن أكثر من 1.2 مليار ساكن، بينما ينتظر أن تصل إلى 2.5 مليار ساكن في 2030، وهو ما يؤثر سلبًا على قطاعات الصحّة والتعليم والأمن، ويحدّ من نسب النموّ.

واعتبر أمين عام منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة بإفريقيا "جان بيير ألونغ مباسي"، أنّ التحدّي السكّاني هو "التحدّي الرئيسي في إفريقيا، خاصةً وأنّ المؤشر في تصاعدٍ". وأكد أنّ الانخفاض في عدد السكان سيكون انطلاقًا من العام 2060.

وأشار "مباسي"، إلى أنّ "التنمية المستدامة هي البديل الوحيد للمدن الإفريقية"، وفق "فرانس برس"، داعيًا السّلطات المحلية  إلى "الاستعداد لمواجهة الازدياد الكبير في عدد السكان".

وأمام هذا التحدّي الأكبر الذي تواجهه القارة السّمراء، يجدر بنا التّساؤل: ما هي خصوصيات النمو الديموغرافي المتسارع، وتأثيراته على التنمية المستدامة في إفريقيا؟، وما هي خطط الدول الإفريقية لمواجهته؟، وإلى أيّ حدٍّ ستكون الدول الإفريقية قادرةً على تجاوز أكبر عائقٍ للتنمية في إفريقيا؟.

 

 التحوّلات الديموغرافية في القارة السّمراء

 

يّعدّ سكان القارة الإفريقية الأكثر نموًّا في العالم، حيث ينتظر أن يشكّلوا نصف النموّ السكاني العالمي خلال العقديْن المقبليْن.

ويتوقّع الدكتور حمدي عبد الرحمن، في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة 2020، أن يرتفع سكان القارة السمراء من حوالي 1.2 مليار شخص (2020) إلى أكثر من 1.8 مليار في عام 2035، بزيادة تقارب 50٪ على مدار الـ 18عامًا القادمة.

وبحلول العام 2035، سيكون سكان القارة الإفريقية أكبر من سكان الهند (1.6 مليار نسمة)، أو الصين (1.4 مليار).

وستشهد إفريقيا أكبر نموٍّ سكّانيٍّ خلال الثمانين عامًا القادمة، حيث سيصل إلى 4.3 مليار نسمة بحلول عام 2100. وخلال هذه الفترة، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أربعة بلدان إفريقية كبرى، حيث سيزداد عدد سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية بنسبة 304٪ ليصل إلى 362 مليون نسمة، وإثيوبيا بنسبة 156٪ ليصل إلى 244 مليون نسمة، وتنزانيا بنسبة 378٪ ليصل إلى 286 مليون نسمة، ومصر بنسبة 120٪ ليصل إلى 225 مليون نسمة.

وأمام الارتفاع الكبير لمعدلات الخصوبة (4.6 في إفريقيا جنوب الصحراء)، وترتفع نسبة الشباب في البلدان الإفريقية، وهو ما يشير إلى اتّجاهٍ عامٍّ يؤكد أنه "بحلول عام 2100، سوف يكون 60٪ من المواليد في العالم في إفريقيا". ومع ذلك فإنه "في ظلّ مسار التنمية الحالي، من المرجح أن يؤدي النمو السكاني السريع للغاية إلى تفاقم الفقر وانعدام الفرص الاقتصادية".

ويرجّح الباحث أن "تزداد قوة قارة إفريقيا على المسرح الجيوسياسي العالمي مع زيادة عدد سكانها"، فدولةٌ مثل نيجيريا، ينتظر أن تكون من بين الدول العشر الأكثر اكتظاظًا في العالم حيث تشهد نموًّا سكانيًّا في سنّ العمل على مدار القرن الحالي (من 86 مليونًا في عام 2017 إلى 458 مليونًا في عام 2100)، ممّا يدعم النمو الاقتصادي السّريع، وارتفاع تصنيف الناتج المحلي الإجمالي من المركز 23 في 2017 إلى المركز التاسع في 2100. 

وشدّد عبد الرحمن على أنّ "هذا التحوّل الديموغرافي يرتبط باتّجاهات الهجرة، إذ عادة ما تعاني البلدان الفتية من حيث عدد الشباب وذات الدخل المنخفض، أو التي تعاني من النزاعات المسلحة من الهجرة إلى الخارج، ومع ذلك فإن مستويات الهجرة إلى خارج القارة الإفريقية منخفضةٌ بالمعايير الدولية، وإنْ كانت في ازديادٍ".

وتستضيف إفريقيا جنوب الصحراء، اليوم، أكثر من 27٪ من سكان العالم اللاجئين. ويرجّح أن ترتفع هذه النسبة في السنوات المقبلة، اعتبارًا إلى أنّ ارتفاع الدخل في عدد من بلدان القارة الإفريقية سيسمح بزيارة نسب الهجرة إلى أوروبا، بصفةٍ خاصةٍ، وربما إلى بلدانٍ أخرى.

 

احتياجاتٌ وضرورياتٌ

 

وأمام التقديرات ذات العلاقة بالنمو السكاني، والنموّ الأسرع في العالم، ينتظر أن تصل نسبة فئة الشباب في إفريقيا إلى نحو 60% من مجموع السكان في غضون العام 2060، وهو ما يتطلب التفكير الإستراتيجي الجيد التي يعمل على توفير متطلبات هذه الفئة الهامة في المجتمعات الإفريقية، وحاجتها إلى "التعليم وفرص العمل والسكن والرعاية الصحية، وهو ما يفرض ضغطًا على الحكومات، لكي تلبّي تلك الاحتياجات". 

وبمقدور الدول الإفريقية حسن استغلال "هذا العائد الديمغرافي" وذلك "بالاستثمار الجيّد في قطاع التعليم والتكوين، والتشجيع على التكنولوجيا والابتكار، وهو ما يساعد على تعزيز الإنتاجية، وتوفير فرص العمل، وتعزيز النمو والرخاء الشامليْن للجميع".

تذكر الموظفة في معهد برلين للسكان والتنمية، "أليسا كابس"، دولة النيجر، في غرب إفريقيا، كمثالٍ على البلدان الأكثر فقرًا، وتربط ذلك بوجود أكبر نسبة ولادةٍ، مشيرةً إلى أنّ "عدد سكانها سيتضاعف إلى ثلاثة أضعاف حتى عام 2050"، بحسب "دوتشي فيلّله".

وبيّنت  "كابس" أنّ هذا الزيادة الكبيرة في عدد السكان، وفق وقت قصيرٍ، "تحجم تطوّر البنية التحتية والرعاية الصحية والمستشفيات والتعليم ومواطن العمل"، مؤكدةً أنّه برغم النقص الواضح في نسب وفيات الأطفال، فإنّ "المأزق الأكبر يتمثل في ارتفاع نسب الولادات، لتصل إلى متوسط 4.7 طفلًا لكل امرأةٍ"، وهي نسبةٌ عاليةٌ جدًّا، مقارنةً بالدول النامية والغنية.

وربطت الباحثة الألمانية بين انخفاض عدد الأطفال، وسرعة عملية التنمية نحو مزيد من الرفاهة، وذلك في إطار دراسةٍ شملت تونس والمغرب وبوتسوانا وغانا وكينيا وإثيوبيا  والسنغال، أنجزها معهد برلين.

وخلصت "كابس" إلى أنّ "هناك حاجةً إلى قدرٍ من التنمية، ثم تتراجع الولادات، وهذا يخلّف تحفيزًا لتطوّرٍ جديدٍ"، وهذا ما تمت ملاحظته خاصةً في تطوّر عدد من البلدان الآسيوية، منها كوريا الجنوبية، وتايوان .


الانفجار السّكّاني والقيمة المضافة


يشكّل النموّ الديمغرافي في إفريقيا عمومًا، ونيجيريا خصوصًا مصدرًا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى القارة السمراء. ويمثّل الجيل الشاب، بالنّسبة إلى المستثمر الأجنبيّ، سوقًا كبيرةً لمستخدمي الهواتف الخلوية والخدمات المصرفية.

وأكد "تشارلز روبرتسون"، كبير المحلّلين الاقتصاديين في "رونيسانس كابيتل"، لفرانس برس، أنه مقتنعٌ بأنّ هذه الفئة السكانية "ستصبح قيمةً مضافةً بالنسبة إلى نيجيريا في السنوات العشرين المقبلة".

ويضيف أنّ "نيجيريا بحاجةٍ إلى أمريْن للتقدّم في مجال الصناعة والتطوّر، هما: النّسبة الكبيرة من الإلمام بالكتابة والقراءة، وتغطيةٍ أفضل لشبكة الكهرباء، خصوصًا في المدن الكبرى".

وفي الرابع والعشرين من فبراير 2020، قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد، في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الإقليمي السادس حول التنمية المستدامة، في زيمبابوي، إنه برغم التقدّم الحاصل على مستوى التراجع النسبيّ لعدد الأشخاص الذين يعيشون في فقرٍ، ​​من 34.5% في 2015، إلى 32.5% في 2019، فإننا "بحاجةٍ إلى تسريع وتيرة وحجم عملنا الجماعي في إفريقيا"، مشيرةً إلى "ارتفاع معدلات النمو السكاني".


شراكاتٌ واستثماراتٌ عالميةٌ

 

وتعمل الأمم المتحدة في إطار "خطة عام 2030"، ذات الأهمية المحورية لمستقبل أفريقيا، بشكلٍ وثيقٍ مع شركائها في أفريقيا من أجل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على نحوٍ متعاضدٍ، في تناغمٍ مع خطة الاتحاد الأفريقي لعام  2063. 

وقد اعتمدت الأمم المتحدة على تدعيم أوجه التعاون مع الدول الإفريقية، من ذلك الاتفاق على "هيكل إبلاغٍ مشتركًا، يتضمّن إطارًا واحدًا للرصد والتقييم". كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول 2016 "إطار تجديد الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بشأن خطة إفريقيا للتكامل والتنمية للفترة 2017-2027، وهو ما يتطلب جهودًا كبيرةً، ومركزةً، من أجل مستقبلٍ قويٍّ لإفريقيا.

ويعتبر الباحث عماد الميغري، أنه، حتى يتغلّب العالم الثالث، وخاصةً إفريقيا، على إيجاد حلولٍ للانفجار السكاني الهائل، "لا بدّ من إيجاد نظامٍ دوليٍّ جديدٍ يعطي التّوازن بين الدول المنتجة للخامات الطبيعية، والبلدان الصناعية الموردة لها، بالرّفع في أثمان هذه الموارد الطبيعية، وإعطاء الفرصة للعالم الثالث لينقل التكنولوجيا، بما يتلاءم مع ثقافته، وإمكانياته، ومتطلباته"، مختصرًا القول بأنّ "إزالة الفقر والعمل على ذلك بالتنمية الاقتصادية، الكفيلة وحدها بتحقيق المرحلة الثانية من التحوّل الديموغرافي".

وتبقى القارة الإفريقية عازمةً على التخطيط الجيّد من خلال إستراتيجياتٍ إفريقيةٍ خالصةٍ بعيدًا عن تبنّي أجنداتٍ استعماريّةٍ، خاصةً وأنّ إفريقيا تتمتّع بموارد طبيعيةٍ وبشريةٍ هائلةٍ، فضلًا عن التنوّع الثقافي والإيكولوجي والاقتصادي الكبير، وبالتالي فقد أعدّت "أجندة 2063"، إلى جانب "منطقة التجارة الحرة" الإفريقية، التي ستمثّل سوقًا لأكثر من 1.2 مليار مستهلكٍ حاليًا،  بناتجٍ محليٍّ يفوق 3.4 تريليون دولارٍ، وهو ما سيجعل من إفريقيا أرضًا خصبةً للاستثمار العالمي، وللشراكات الفعّالة، المعززة للتنمية المستدامة، ما يرفع من نسب النموّ، ويدعم التنمية الشاملة في القارة السّمراء.