رغم القرب الجغرافي والانتماء الوطني الواحد، يجد المقدسيون أنفسهم خارج الواقع المعاش في قطاع غزة، الذي تعرّض لأكثر من سنتين لقصف يومي دمّر البنية التحتية بشكل شبه كامل وكل أشكال الخدمات.
ومع انتهاء الحرب في قطاع غزة ودخول مرحلة جديدة من الترتيبات السياسية والإنسانية، ضجّت منصات التواصل خلال الأسبوع الماضي بنقاشات حادة حول مستقبل الملف الفلسطيني، بالتزامن مع نشر قيادة حماس ردّها على المبادرة الأميركية.

في القدس، لم يكن النقاش مجرد تقييم لموقف سياسي، بل كان تعبيرًا عن قلق عميق من أن الحرب انتهت دون أن تُحقق للفلسطينيين أي مكسب فعلي.
وبعد توقف القتال، ظهرت الأسئلة المؤجّلة: ماذا جنى الناس من هذه الحرب؟ وهل كانت التضحيات الهائلة التي دفعها الغزيون متناسبة مع ما انتهت إليه الأمور؟

الكثير من المقدسيين اعتبروا أن ردّ حماس على المبادرة الأميركية يكرّس انفصالًا طويلًا بين قيادة الحركة المتواجدة خارج القطاع وبين واقع الغزيين الذين يعيشون بين الركام ونقص الخدمات.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني حسن سوالمة أن النقاش نفسه في القدس الشرقية يعكس شكلًا آخر من الانفصال: انفصال المجتمع عن القيادات المحلية، وعن الشعارات التي لم تعد تحمي لقمة العيش أو تفتح باب المستقبل.

في الشارع المقدسي، يتردد سؤال أصبح أكثر إلحاحًا بعد الحرب: ما جدوى المقاومة إذا لم تكن النتيجة سوى دمار هائل في غزة وانكماش اقتصادي غير مسبوق في القدس والضفة؟ فالمحال التجارية في البلدة القديمة تضررت بشكل كبير، والحركة السياحية لم تتعافَ، والعمال يواجهون تضييقًا أشد في التصاريح والتنقّل داخل الخط الأخضر. ولذلك، يشعر كثيرون بأن ثمن الحرب لم يُدفع في غزة وحدها، بل امتدّ بصمت إلى القدس والضفة أيضًا.

ويضيف سوالمة أن المشكلة لا تكمن فقط في موقف حماس السياسي، بل في طريقة التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم وقودًا للصمود وليسوا غايته.
ففي غزة، دفع المدنيون ثمنًا هائلًا من حياتهم ومنازلهم وخدماتهم الأساسية بفعل الحرب الإسرائيلية، وفي القدس دفع السكان ثمنًا آخر: اقتصاد مختنق، قيود أمنية مشدّدة، وقلق مستمر حول استقرار الحياة اليومية.

ومع أن الحرب انتهت، إلا أن الأسئلة الكبرى لا تزال بلا إجابات: هل هناك مشروع سياسي واضح لليوم التالي؟ هل هناك خطة لإعادة إعمار غزة بطريقة تُعيد للسكان كرامتهم؟ وهل تمتلك القوى الفلسطينية — بما فيها حماس والفصائل الأخرى — رؤية مشتركة يمكن أن تنقل الفلسطينيين من مرحلة الشعارات إلى مرحلة البناء؟

ويضيف سوالمة أن الكثير من المقدسيين اليوم يرون أن المقاومة، لكي تستعيد معناها، يجب أن تعود إلى هدفها الأصلي: حماية الإنسان الفلسطيني وتحسين حياته، لا الدخول في جولات متكررة من المواجهة دون أفق. فالمقاومة التي لا تُترجم إلى مكاسب سياسية أو حماية للمدنيين تفقد معناها الأخلاقي، وتتحول إلى عبء إضافي على الشعوب التي يُفترض أنها تقاتل باسمها.

في نهاية المطاف، يكشف الجدل في القدس الشرقية أن الحرب انتهت عسكريًا، لكنها لم تنتهِ سياسيًا ولا اجتماعيًا. وأن الفلسطينيين — في غزة والضفة معًا — لا يبحثون عن شعارات جديدة، بل عن قيادة تمتلك جرأة الاعتراف بالواقع وجرأة صياغة مستقبل أكثر واقعية وإنسانية.