رغم انتهاء الحرب في قطاع غزة في أكتوبر الماضي، لا تزال التداعيات الاقتصادية تتفاقم في الضفة الغربية، في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية والإجراءات الأمنية المشددة، ما ينعكس بشكل مباشر على سوق العمل ومستويات الفقر والبطالة.

ومنذ السابع من أكتوبر، فرضت إسرائيل قيودًا صارمة على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، شملت إغلاق طرق رئيسية، وتكثيف الحواجز العسكرية، وتنفيذ اقتحامات شبه يومية للمدن والمخيمات. 

هذه العمليات العسكرية المتواصلة، إلى جانب القيود الإدارية، حالت دون عودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها حتى بعد توقف القتال في غزة.

إجراءات أمنية تتجاوز الحرب

وبالتوازي مع استمرار العمليات العسكرية ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة في الضفة، لم تسمح السلطات الإسرائيلية بدخول العمال الفلسطينيين الحاصلين على تصاريح إلى داخل الخط الأخضر إلا في حالات محدودة، ما أدى إلى تعطّل مصدر الدخل الأساسي لعشرات آلاف الأسر. 

ويؤكد مختصون أن الجمع بين العمليات العسكرية الميدانية وتشديد القيود على التنقل خلق بيئة طاردة للاستثمار، وأصاب النشاط التجاري بحالة شلل شبه كامل في عدد من مناطق الضفة.


ومطلع هذا العام، أعدّت حكومة بنيامين نتنياهو خطة لاستبدال العمال الفلسطينيين بعمال أجانب في قطاعات البناء والزراعة والصناعة، إلا أن الخطة لم تُنفَّذ بشكل كامل، وبقي النقص في الأيدي العاملة قائمًا. وبحسب المحلل السياسي الفلسطيني حسن سوالمة، فإن التدهور الاقتصادي والاجتماعي في الضفة الغربية دفع الكثير من أصحاب تصاريح العمل إلى التطلع للعودة إلى أعمالهم داخل إسرائيل، رغم إدراكهم أن العمليات العسكرية المستمرة تجعل هذا الأمل هشًا وغير مضمون.

ويشير سوالمة إلى أن شريحة واسعة من العمال تراهن على أي تهدئة ميدانية أو تراجع في حدة الاقتحامات كعامل قد يدفع الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة النظر في سياسة حظر دخولهم، خاصة بعد توقف الحرب في غزة.

أرقام تعكس عمق الأزمة

قبل عام 2023، تجاوز عدد العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر 150 ألف عامل، وشكلوا ركيزة أساسية لاقتصاد الضفة الغربية. ومع إغلاق المعابر، وتجميد التصاريح، واستمرار العمليات العسكرية، فقدت آلاف الأسر مصدر دخلها الوحيد، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتراجع القدرة الشرائية.

وأظهرت بيانات رسمية أن اقتصاد الضفة الغربية انكمش بأكثر من 19% خلال العام الماضي، فيما تجاوزت معدلات البطالة 35%. ويعزو اقتصاديون هذا التراجع إلى القيود الإسرائيلية الصارمة على التنقل والتجارة، إضافة إلى توقف العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل، وتواصل العمل العسكري الذي يعرقل أي تعافٍ اقتصادي محتمل.

آمال معلّقة رغم استمرار العمليات

وفي ظل الحديث عن إحراز تقدم باتجاه المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب  في غزة حيّز التنفيذ ، يعبّر كثير من العمال الفلسطينيين في الضفة عن ارتياحهم لتوقف الحرب، غير أن استمرار العمليات العسكرية في الضفة الغربية يبقي آمالهم معلّقة. 

ويؤكد مختصون أن أي تحسّن فعلي في الوضع الاقتصادي في الضفة يبقى مرهونًا بتخفيف القيود الأمنية، ووقف الاقتحامات، وفتح المعابر أمام حركة العمل، بما يسمح بإعادة ضخ السيولة وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.