بعد أسابيع من انتهاء الحرب في قطاع غزة، كشفت نتائج استطلاعات رأي حديثة عن تحولات لافتة في المزاج العام لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، عكست تراجعًا في مستويات الثقة بالقوى السياسية، في ظل استمرار التداعيات الإنسانية والاقتصادية لمرحلة ما بعد الحرب.
وأظهرت دراسات مسحية أن مستوى التأييد الشعبي لحركة حماس في الضفة الغربية قد سجل انخفاضًا يُعد الأكبر خلال السنوات الأربع الماضية، حيث تراجع بنحو 37 نقطة مئوية مقارنة بمراحل سابقة، ليستقر عند حدود تُقدَّر بنحو 15% فقط.
وبحسب استطلاع أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال (JMCC) في الضفة الغربية، فقد انخفضت نسبة الفلسطينيين الذين عبّروا عن تفاؤلهم بإمكانية تحقيق حماس لأي نتائج إيجابية بعد الحرب من 67% عام 2023 إلى 26% فقط، فيما رأى 46% من المستطلعين أن الحرب انتهت دون أن تصب في مصلحة أي طرف.
كما أظهرت نتائج الاستطلاع تراجع مستوى الثقة بحركة حماس إلى 8.5%، مقابل ارتفاع طفيف في الثقة بحركة فتح إلى 11%، في حين عبّر 68.5% من المشاركين عن عدم ثقتهم بأي فصيل سياسي، في مؤشر على أزمة ثقة واسعة تطال مجمل المشهد السياسي الفلسطيني في مرحلة ما بعد الحرب.
وتشير قراءات تحليلية إلى أن هذا التآكل في الحاضنة الشعبية لحماس يأتي ضمن مسار تراكمي امتد لأكثر من عقد، شهد تراجعًا تدريجيًا في مستويات الدعم، قبل أن تتسارع وتيرته بشكل واضح خلال العامين الأخيرين.
ويربط محللون هذا التحول بالانعكاسات الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي خلّفتها الحرب، والتي انعكست بشكل مباشر على حياة سكان الضفة الغربية.
ولم تقتصر آثار الحرب على قطاع غزة، بل امتدت إلى الضفة، حيث واجه الفلسطينيون أزمة اقتصادية حادة، تمثلت في فقدان مئات الآلاف من فرص العمل، وتراجع النشاط التجاري، وتشديد القيود على الحركة نتيجة الحواجز الاسرائيلية، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتآكل القدرة الشرائية للأسر.
وفي هذا السياق، عبّر عدد متزايد من سكان الضفة الغربية عن حالة من الإحباط المتراكم، مؤكدين أن أولوياتهم باتت تتركز على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وإعادة تأهيل ما تضرر من الاقتصاد المحلي، واستعادة مظاهر الحياة الطبيعية، بعد فترة طويلة من الاضطراب وعدم اليقين.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني حسن سوالمة أن هذه النتائج تعكس تحولًا ملموسًا في أولويات الرأي العام في الضفة الغربية، حيث باتت القضايا المعيشية والاقتصادية عاملًا حاسمًا في تشكيل المواقف السياسية، بعد سنوات طغت فيها الاعتبارات الأيديولوجية والأمنية على حساب تفاصيل الحياة اليومية.
وفي ظل استمرار تداعيات ما بعد الحرب، وغياب مسار سياسي واقتصادي واضح يعالج آثارها، تشير مؤشرات الرأي العام إلى أن حالة التراجع في الثقة مرشحة للاستمرار، ما لم تُطرح مقاربات جديدة تضع الاستقرار المعيشي وإعادة البناء في صلب المرحلة المقبلة.





