مرّت الذكرى الثامنة والثلاثون لتأسيس حركة حماس في سياق استثنائي يختلف جذريًا عن محطات سابقة في تاريخ الحركة. فبدلًا من مظاهر الاحتفال والاستعراض المعتادة في شوارع القطاع، جاءت المناسبة هذا العام محاطة بواقع سياسي وأمني وإنساني بالغ التعقيد، جعل من الصعب على الحركة تقديم الذكرى بوصفها الجهة المنوطة بالنصر والتمكين.
في قطاع غزة، حيث بلغ الدمار مستويات غير مسبوقة، وتفاقمت مؤشرات الفقر وانهيار النظام الصحي، لم تبدُ الذكرى مناسبة للاحتفال بقدر ما عكست حجم المأزق الذي تعيشه الحركة. فالمشاهد اليومية للخراب، وتأخر إعادة الإعمار، واستمرار الضغوط الإنسانية، جعلت الرسائل الصادرة عن حماس محدودة ومقتضبة، بعيدة عن الخطاب التصعيدي الذي طبع مناسبات سابقة.
تراجع في الحضور والفاعلية
وتأتي هذه الذكرى في ظل خسائر كبيرة تكبدتها الحركة على المستويين السياسي والعسكري خلال الحرب الأخيرة، ما انعكس على قدرتها التنظيمية وحضورها الإقليمي. كما تواجه حماس حالة من العزلة السياسية المتزايدة، مع تضييق قنوات الدعم، وتراجع هامش المناورة أمام الضغوط الدولية والإقليمية.
وعلى المستوى الداخلي، يبدو أن الحركة تواجه تحديًا أكثر حساسية، يتمثل في تآكل ثقة قطاعات من الشارع الغزي، الذي بات منشغلًا بالبحث عن الحد الأدنى من مقومات الحياة، أكثر من الانخراط في شعارات أو مشاريع سياسية كبرى. ففي نظر كثيرين، لم تعد حماس تمثل أفقًا للتحرر بقدر ما أصبحت جزءًا من واقع خانق يحدّ من قدرتهم على استعادة حياة طبيعية.
مستقبل مفتوح على الاحتمالات
تجد الحركة نفسها اليوم أمام أسئلة وجودية تتعلق بمستقبل دورها السياسي، وشكل حضورها في غزة، وعلاقتها بالبيئة الفلسطينية الأوسع. فمرحلة ما بعد الحرب تفرض معادلات جديدة، ترتبط بإعادة ترتيب المشهد السياسي والأمني في القطاع، وسط حديث متزايد عن ترتيبات لا تبدو الحركة في موقع مريح للتأثير فيها.
وفي ظل هذا الواقع، تبدو الخيارات أمام حماس محدودة وصعبة، بين محاولة التكيف مع شروط جديدة تقلّص من نفوذها، أو الاستمرار في نهج يعرّضها لمزيد من الاستنزاف والعزلة، وربما لمزيد من الدمار للقطاع.
كما أن أي تحولات داخلية محتملة، سواء على مستوى البنية التنظيمية أو الخطاب السياسي، ستظل محكومة بميزان ضغوط ثقيل، داخليًا وخارجيًا.
هكذا تمر ذكرى تأسيس حماس هذا العام بلا مظاهر احتفالية تُذكر، في انعكاس واضح لحجم الأزمة التي تواجهها الحركة. وبينما تتراكم الأسئلة حول مستقبلها، يبقى المشهد مفتوحًا على سيناريوهات متعددة، في وقت لم يعد فيه الماضي كافيًا لتفسير الحاضر، ولا الشعارات قادرة على تبديد واقع لا يخفى على أحد حجم سوداويته.





