تجد حركة حماس نفسها اليوم، بعد ضربة الدوحة، في قلب معادلة شديدة التعقيد. فالهجوم الإسرائيلي الذي استهدف اجتماعًا لقياداتها في العاصمة القطرية، وإن لم يسفر عن نتائج ميدانية حاسمة وفق اعتراف الطرفين، إلا أنه وضع الحركة أمام سؤال مصيري: هل تواصل التمسك بخيار المواجهة العسكرية في ظل حالة الانهيار الميداني، أم تنخرط في مسار دبلوماسي ينسجم مع المطالب الداخلية بوقف الحرب؟
النهج العسكري قد يمنح حماس صورة الصمود، لكنه يحمل في طياته خطر الانزلاق إلى حرب فناء قد تنتهي بمسح قطاع غزة ودفن حلم الدولة الفلسطينية. في المقابل، يبدو الانخراط في التهدئة خيارًا براغماتيًا يراعي التوازنات الإقليمية، لكنه قد يُعرّض الحركة لاتهامات بالتراجع.
قطر بين الإدانة والاحتواء
الدوحة، التي استُهدفت على أرضها للمرة الأولى، سارعت إلى إدانة العملية، مؤكدة أن الرد سيكون عبر القنوات الدبلوماسية والقانونية. هذا الموقف، وإن حافظ على صورة قطر كوسيط دولي، أحرج حماس أمام جمهورها، إذ بدا أن الحليف الأبرز يفضّل تجنّب التصعيد المباشر.
إسرائيل وسياسة اليد الطويلة
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شبّه ما جرى في الدوحة بمطاردة الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة بعد 11 سبتمبر، موجهًا إنذارًا لقطر بضرورة طرد قادة حماس أو "مواجهة العواقب". أما وزير الدفاع يسرائيل كاتس، فأكد أن "يد إسرائيل الطويلة ستصل إلى أعدائها في كل مكان"، مشددًا على أن من شارك في هجوم 7 أكتوبر "لن يجد مأمنًا".
لكن هذه الرسائل، التي أرادت إسرائيل أن تشكّل مظلة سياسية لعمليتها، انعكست داخليًا بشكل مربك. فقد اتهمت عائلات الرهائن نتنياهو بالمقامرة بمصير أبنائهم، فيما وصفت المعارضة الهجوم بأنه استعراض بلا جدوى ملموسة.
موقف إدارة ترامب
الموقف الأميركي بدا مرتبكًا. فالبيت الأبيض لم يعترض على استهداف حماس بحد ذاته، لكنه رفض ضربها على أرض قطر، الحليف الاستراتيجي الذي يحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة. هذا التناقض كشف عمق التوتر بين واشنطن وتل أبيب، وأظهر أن الولايات المتحدة مضطرة لموازنة دعمها لإسرائيل مع مصالحها الحيوية مع الدوحة.
ضربة الدوحة لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل محطة كشفت تداخل الحسابات: إسرائيل تسعى لتوسيع معركة "اليد الطويلة"، قطر تحاول حماية صورتها كوسيط، واشنطن تعيش مأزق الحليفين، فيما تواجه حماس خطر انهيار تحالفاتها الإقليمية. وبين هذه المسارات المتعارضة، يتحدد مستقبل الحرب في غزة ومعها شكل الاصطفاف الإقليمي في المرحلة المقبلة.