كتب أحمد عيادي
في قطاع غزة، حيث لم يعد الدمار حدثًا استثنائيًا بل جزءًا ثابتًا من المشهد اليومي، تتصاعد أسئلة ثقيلة في أذهان كثير من السكان حول جدوى المسار الذي قادهم إلى هذا الواقع. فبين الأنقاض، وتحت وطأة الفقر والنزوح وفقدان الأمان، تتراجع القدرة على الفصل بين الحرب بوصفها مواجهة محدودة زمانيا ومكانيا، والحرب بوصفها نمط حياة مفروضًا بلا تفويض أو أفق.
تمرّ ذكرى تأسيس حركة حماس هذا العام في ظل واقع مأساوي غير مسبوق، لا يشبه احتفالات الماضي ولا خطاباته. فبعد 38 عامًا على انطلاقتها، تجد الحركة نفسها أمام واقع إنساني قاسٍ، يتجاوز الشعارات والرمزية، ويضعها في مواجهة مباشرة مع أسئلة تتعلق بنتائج خياراتها وتأثيرها على المجتمع الذي تحكمه منذ سنوات.
في غزة اليوم، لا يقتصر الدمار على المنازل والبنية التحتية، بل يمتد إلى النسيج الاجتماعي نفسه. عائلات فقدت بيوتها، ومستشفيات خرجت عن الخدمة، ومدارس تحولت إلى ملاجئ مؤقتة، في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه.
ومع كل ضربة جوية اسرائيلية، تتعمق الفجوة بين الخطاب السياسي لحماس القائم على حتمية النصر والتمكين والواقع المعيشي الذي يجبر المدنيون فيه على دفع الثمن الأكبر.
ومع استمرار الأزمة الإنسانية، بدأت تتشكل في أوساط الغزيين حالة من الإحباط المتراكم. فبالنسبة لكثيرين، لم تعد الوعود القديمة بالتحرير والكرامة قادرة على الصمود أمام واقع يتسم بالحصار والعزلة وتآكل فرص الحياة الطبيعية. وفي هذا السياق، تتزايد أصوات ترى أن الحركة، بدل أن تكون أداة خلاص، أصبحت جزءًا من معادلة تُعيد إنتاج المأساة.
هذه المشاعر لا تعني بالضرورة إجماعًا سياسيًا بقدر ما تعكس حالة إنهاك جماعي. فالمجتمع الغزي، الذي يعيش منذ سنوات تحت ضغط متواصل، بات يبحث عن أفق مختلف: أفق يقدّم الاستقرار، ويعيد الاعتبار لقيمة الحياة، ويضع الإنسان في صدارة أي مشروع سياسي أو وطني.
على المستوى التنظيمي، تمر حماس بمرحلة غير واضحة المعالم، في ظل خسائر بشرية وسياسية، وتراجع في القدرة على إدارة المشهد، إلى جانب ضغوط إقليمية ودولية متزايدة. ومع غياب رؤية معلنة لمرحلة ما بعد الحرب، يزداد الغموض حول مستقبل الحركة ودورها، سواء في غزة أو في الإطار الفلسطيني الأوسع.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم في غزة ليس فقط عن شكل المقاومة، بل عن معناها وحدودها. ما جدوى أي خيار سياسي إذا كان يؤدي، في كل مرة، إلى مزيد من الدمار دون أن يفتح بابًا حقيقيًا للخروج من الأزمة؟ وما قيمة الخطاب إذا كان عاجزًا عن توفير الحد الأدنى من الأمان والكرامة للناس؟
في ذكرى تأسيسها، تبدو حماس أمام لحظة اختبار تاريخية، لا تُقاس بما ترفعه من شعارات، بل بقدرتها على مراجعة المسار، والاعتراف بالكلفة الإنسانية الهائلة التي تكبدها المجتمع الغزي. فغزة ليست ساحة رمزية ولا ورقة ضغط، بل مكان يعيش فيه بشر حقيقيون، لهم الحق في الحياة، وفي مستقبل لا يُبنى على الركام وحده.









