بالتزامن مع مرور عامين على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، تحولت أزمة الغذاء في قطاع غزة إلى أحد أخطر التحديات الإنسانية المستمرة.
وتؤكد تقارير أممية أن مئات الآلاف يواجهون خطر المجاعة، في وقت تتصاعد فيه شكاوى السكان من أن المساعدات، رغم محدوديتها، لا تصل إلى مستحقيها.

ومع دخول الإمدادات الإنسانية بشكل متقطع نتيجة الحصار الإسرائيلي، يتكرر الحديث في أزقة غزة المدمّرة وعلى أطراف طوابير الإغاثة الطويلة عن ظاهرة مقلقة: "المساعدات لا تصلنا... تُسرق في الطريق"، كما يقول كثيرون دون تردّد، مشيرين إلى الفوضى التنظيمية، والعصابات المسلحة، وبعض العناصر المرتبطة بحماس.

في أحد مراكز التوزيع جنوب القطاع، يقول إياد (38 عامًا): "لم نعد نرى الأكياس التي يُقال إنها باسمنا... كلها تُباع في السوق السوداء". ويضيف: "قيادة حماس تقول إنها تقود المعركة، لكنهم بعيدون عن النار... نحن الذين نحترق".

ورغم الجهود الدولية التي تبذلها الأمم المتحدة وعدد من الدول لإدخال مساعدات عاجلة، يؤكد الغزيون أن معظم تلك الإمدادات لا تصل إلى العائلات الأشد حاجة. ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط، محمود شحادة: "المنظومة التي كانت تنظم توزيع المساعدات انهارت، وتحولت نقاط التوزيع إلى ساحات سيطرة لعناصر مسلحة أو مجموعات مرتبطة بمصالح سلطوية".

قيادة في الخارج وأفواه جائعة في الداخل

في سوق النصيرات، يُباع كيس الدقيق بنحو 300 دولار. "من يستطيع شراءه؟" تتساءل أم عبد الله، وهي تفتش بين أكياس فارغة ملقاة على الأرض. وتتابع: "يقولون إنهم يقاتلون من أجلنا... لكنهم يعيشون في نعيم الخارج، ونحن نأكل من النفايات".

وفيما تتهم إسرائيل حماس بالاستحواذ على جزء من المساعدات لتأمين شبكاتها أو لاستخدامها كورقة ضغط داخلية، تنفي الحركة أي مسؤولية عن ذلك.

"نظام أخلاقي مكسور"

يرى كثير من سكان القطاع أن ما يحدث يعكس انهيارًا أخلاقيًا قبل أن يكون أزمة سياسية. ويقول أستاذ علم الاجتماع سابقًا في الجامعة الإسلامية: "المجتمع دخل مرحلة تفكك قيمي... حيث القوي يسيطر على المساعدات والضعيف يموت بصمت".

في مشهد يتكرر يوميًا، يركض الأطفال وراء شاحنات الإغاثة، فيما تتسلل شاحنات أخرى دون لوحات أو علامات إلى مناطق مغلقة أمام العامة.

ويشير المحلل السياسي أحمد عيادي إلى أن الخسارة العسكرية ليست الوحيدة التي تواجهها حماس، إذ شهدت شعبيتها تراجعًا ملحوظًا نتيجة انعكاسات الحرب على حياة الغزيين.

كما أثارت تصريحات بعض قيادات الحركة انتقادات واسعة؛ إذ وصف خالد مشعل خسائر الحركة بأنها "تكتيكية وغير استراتيجية"، بينما قال موسى أبو مرزوق إن توفير الملاجئ للفلسطينيين "مسؤولية الأمم المتحدة وإسرائيل".

وبحسب دراسة حديثة أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، تراجعت شعبية حماس إلى نحو 15% في قطاع غزة. ويقول مدير المركز، خليل الشقاقي: "لا شك أن الدعم لحماس يتراجع، إذ يشعر كثير من الناس بأن الحركة تتحمل جزءًا من مسؤولية الألم الذي يعانونه".