من قال إن الأزمة الاقتصادية الناتجة عن احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة هي التحدي الوحيد الذي تواجهه السلطة الفلسطينية في رام الله؟ فإلى جانب الأوضاع المالية غير المسبوقة نتيجة الحرب في غزة والتصعيد في الضفة الغربية، ما تزال التجاذبات الداخلية تشكل عبئًا إضافيًا على المشهد الفلسطيني.
منذ سيطرة حركة حماس على غزة صيف عام 2007، لم تتوقف الحركة عن استهداف حركة فتح وأجهزة السلطة الفلسطينية، وخاصة الجهاز الأمني الذي تعتبره "عدوًا مباشرًا يخدم مصالح الاحتلال".
وعبّر مسؤولون سابقون في المؤسسة الأمنية الفلسطينية أكثر من مرة عن مخاوفهم من محاولات متزايدة لتقويض الأجهزة الأمنية من الداخل، عبر حملات تحريضية ينفذها محسوبون على حماس في الضفة الغربية. وبحسب هذه المصادر، فإن الحملات تشمل أنشطة إعلامية مدفوعة على شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاولات للتأثير على الكوادر الشابة في الأجهزة، خاصة أولئك الذين يعانون من ضغوط اقتصادية ومعيشية.
ووفق تقديراتهم، فإن الهدف من هذه الجهود هو دفع بعض العناصر للانخراط في أنشطة حماس بالضفة، بما يضعف صورة المؤسسة الأمنية الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، ويوفر ذريعة لإسرائيل لاستهداف السلطة وتكثيف عملياتها العسكرية في المحافظات الفلسطينية.
تأثير خارجي وتحريض داخلي
ويشير مراقبون إلى أنّ هذه التحركات لا تقتصر على التحريض المحلي، بل تشمل أيضًا جهات إقليمية تسعى إلى إشعال الأوضاع في الضفة الغربية. ويؤكد خبراء أن هذا المسار يتقاطع مع رغبات اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى إلى تحويل الضفة إلى "غزة جديدة".
وفي تصريحات سابقة، اعتبر اللواء توفيق الطيراوي أنّ ما يجري يندرج في إطار "الانقلاب الناعم" الذي تسعى حماس إلى فرضه في الضفة الغربية، عبر بث الشائعات واستهداف القيادات الأمنية والسياسية.
انعكاسات على الاستقرار الداخلي
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني حسن سوالمة أنّ استمرار هذه الحملات قد يؤدي إلى تآكل الثقة بين المواطن الفلسطيني وأجهزته الأمنية، وهو ما يضعف قدرة السلطة على بسط سيادة القانون وضبط الشارع، في وقت تعاني فيه الضفة من تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني.
وأضاف سوالمة أن إضعاف الأجهزة الأمنية لا يخدم سوى الأجندات الخارجية التي تسعى إلى تصوير الضفة كمناطق فوضى، الأمر الذي يمنح إسرائيل مبررًا إضافيًا لتوسيع عملياتها العسكرية.
وبحسب المختص في شؤون الشرق الأوسط أحمد عيادي فأن السلطة الفلسطينية، رغم انبثاقها من كيان ثوري مقاوم هو منظمة التحرير، اضطرت خلال سنوات حكمها إلى الانحياز إلى العقلانية السياسية، واعتماد نهج "المسؤولية" القائم على تغليب مصالح شعبها على الشعارات. فخيار المفاوضات والضغط الدبلوماسي يُجسّد واقعية القيادة الفلسطينية وسعيها إلى تسويات عملية تخفف الأعباء عن الفلسطينيين، حتى وإن جاء ذلك على حساب البعد الثوري، حفاظًا على ما تم تحقيقه من مكتسبات.
دعوات للحفاظ على وحدة الصف
من جانبها، دعت شخصيات أمنية وسياسية سابقة إلى ضرورة "إغلاق الباب أمام محاولات الفوضى والانقسام"، مشددة على أهمية حماية الأجهزة الأمنية باعتبارها أحد أعمدة الاستقرار الداخلي، وعلى ضرورة تحييدها عن التجاذبات السياسية بين الفصائل.
ويخلص مراقبون إلى أن المشهد الأمني في الضفة يقف أمام تحديات متزايدة، بين ضغوط اقتصادية متصاعدة ومحاولات داخلية وخارجية لتفكيك الأجهزة، وهو ما قد يفتح الباب أمام مرحلة أكثر تعقيدًا إن لم تُتخذ خطوات عاجلة للحفاظ على وحدة المؤسسة الأمنية وتعزيز ثقة المواطن بها.