في تغيّرٍ لافتٍ للمشهد السياسي في السودان، أعلن، الأحد، عن عودة رئيس وزراء الحكومة الانتقالية المُقالة، عبد الله الحمدوك، لتشكيل حكومة كفاءاتٍ سودانيةٍ، جديدةٍ، بعد اتّفاقٍ سياسيٍّ  مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

هذا الاتفاق السياسي، لئن لقي ترحيبًا إقليميًا ودوليًا، فإنّه وجد بعض الرفض من الداخل السوداني، حيث اعتبره "تجمّع المهنيين السودانيين"، "اتفاق الخيانة"، ودعا إلى إسقاطه. ودعا المجلس القيادي المركزي، لـ"قوى الحرية والتغيير" إلى "المقاومة".

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى "حماية العملية الانتقالية" عقب إعلان استقالة 12 وزيرًا من حكومة الحمدوك، تمهيدًا لتشكيل حكومة تكنوقراط، مشدّدًا على ضرورة "معالجة القضايا العالقة في السودان، على وجه السرعة، لإكمال الانتقال السياسي بطريقةٍ شاملةٍ مع احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون".

فإلى أين تسير الأوضاع في السودان؟، هل نشهد استقرارًا من أجل استكمال المسار الانتقالي حتى إجراء انتخاباتٍ رئاسية وتشريعية في ربيع 2014، أم أنّ المخاض السياسي في السودان ما يزال يسير على رمالٍ متحرّكةٍ؟. 

 

الاتفاق السّياسي بين البرهان والحمدوك

 

وقّع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، عبد الله الحمدوك، الأحد الماضي، اتفاقًا سياسيًا، يقضي بعودة الحمدوك لتشكيل حكومةٍ من الكفاءات السودانية، مع مواصلة الاعتماد على الوثيقة الدستورية، كمرجعيةٍ أساسيةٍ لاستكمال الانتقال السياسي في السودان.

وقال البرهان: "عشنا أزمةً فترةً طويلةً، واليوم، أسّسنا بشكلٍ حقيقيٍّ لمرحلةٍ انتقاليةٍ"، مشيرًا إلى أهمية "استكمال المسار الديمقراطي، حتى إجراء انتخاباتٍ حرةٍ، ونزيهةٍ". 

من جانبه، أكد الحمدوك، في كلمةٍ ألقاها، عقب إمضاء الاتفاق، على القدرة على إعادة السودان إلى "الطريق الصحيح"، مشيرًا إلى "توفّر الإرادة، والعمل المشترك"، آملًا في أنّ يتمّ "فكّ الاختناق داخليًا وخارجيًا، واستعادة المسار الديمقراطي".

وشدّد على "ضرورة التوافق على طريق حكم السودان، والتسليم بأنّ الشعب السوداني هو الحكم"، مؤكدًا على أنّ توقيعه على هذا الاتفاق السياسيّ، يعود أساسًا إلى أنه "مَبنيٌّ على أساس حقن دماء السودانيين، والتركيز على البناء والتعمير".

وسيتولّى مجلس السيادة السوداني "الإشراف على مهام الفترة الانتقالية"، مع "ضمان انتقال السلطة في موعدها إلى حكومةٍ مدنيةٍ منتخبةٍ"، و"إطلاق المعتقلين السّياسيين السّودانيين كافةً".

ومن أبرز نقاط الاتفاق السّياسي المبرم بين البرهان والحمدوك، "التأكيد على أنّ الوثيقة الدستورية لعام 2019 هي المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية مع مراعاة الوضع الخاص لشرق السودان والعمل على معالجته"، و"ضرورة تعديلها بالتوافق"، و"تشكيل حكومة مدنية مكوّنة من الكفاءات الوطنية المستقلة"، و"عدم التدخل المباشر لمجلس السيادة في العمل التنفيذي"، و"ضمان انتقال السلطة في موعدها المحدد إلى حكومة مدنية منتخبةٍ"، و"التحقيق في الأحداث التي جرت في المظاهرات من إصاباتٍ ووفياتٍ للمدنيين والعسكريين وتقديم الجناة للمحاكمة"، و"تنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه، وإلحاق غير الموقعين على اتفاق السلام"، و"الإسراع باستكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي"، و"إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران"، و"إطلاق سراح جميع المعتقلين السّياسيين"، و"العمل على بناء جيشٍ قوميٍّ موحّد"، و"إلغاء قرار قائد الجيش بإعفاء حمدوك من رئاسة الحكومة".

 

رفض الاتّفاق والدعوة إلى إلغائهما 

 

ما إن أُعلن عن إبرام الاتفاق السياسي بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله الحمدوك، حتى خرج آلاف السودانيين، وفق "رويترز"، الأحد، متظاهرين وسط العاصمة السودانية، "في استمرارٍ للتصعيد ضدّ الانقلاب العسكري، ورفضًا لأيّ مساومةٍ  سياسيّةٍ مع الانقلابيين".

وتوجّه المتظاهرون إلى القصر الجمهوريّ، لكن قوات الأمن "أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على المحتجين، مع اقترابهم من القصر الرئاسي بالخرطوم". وهتف المتظاهرون رفضًا للعسكر "السلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات"،بحسب "رويترز".

ووصف "تجمّع المهنيين السودانيين" الاتفاق المبرم بين البرهان والحمدوك بـ"اتفاق الخيانة"، مشدّدين على أنه "مرفوضٌ جملةً وتفصيلًا"، معتبرين أنه "مجرّد محاولةٍ باطلةٍ لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري، وانتحارٌ سياسيٌّ للدكتور عبد الله حمدوك".

وقال تجمّع المهنيين في بيانهم: "لقد جرّب شعبنا عهود الانقلابيين الكاذبة، وخبر خسّتهم ونقضهم لها، طريق شعبنا أكثر وضوحًا الآن من أيّ وقت مضى"، داعين إلى "إسقاط شراكة الدم وكلّ من يلتحق بها"، في إشارة إلى رئيس الوزراء عبد الله الحمدوك، الذي كان يستمدّ قوته من "قوى الحرية والتغيير"، و"تجمّع المهنيين السودانيين"، مشدّدين على "مواصلة المقاومة السّلمية ببناء قواعدها المقاوِمة في لجان الأحياء والكيانات النقابية، وصولًا للدولة المدنية الديمقراطية، وسلطتها الثورية الخالصة".

من جانب، أكد المجلس المركزي القيادي لـ"قوى الحرية والتغيير"، أنه "لا تفاوض، ولا شراكة، ولا شرعية للانقلابيين، وأن جريمة تقويض نظام الحكم الشرعي والانقلاب على الدستور وقتل الثائرات والثوار السلميين والإخفاء القسري والقمع المفرط وغيرها من الجرائم الموثقة، تقتضي تقديم قادة الانقلاب والانتهازيين، وفلول النظام البائد المشكّلين لهذه السلطة الانقلابية إلى المحاكمات الفورية"، معتبرين أنّ "هذا الانقلاب ساقطٌ لا محالة" .

وأعلن 12 وزيرًا من "قوى الحرية والتغيير" في حكومة الحمدوك، عن استقالتهم، مُعبّرين في بيانهم، عن "تفاجئهم" بتوقيع إعلانٍ سياسيٍّ بين البرهان والحمدوك، معلنين عن "براءتهم" من هذا الاتفاق، و"انحيازهم" لخيارات الشعب "في استعادة حكمه المدنيّ"، وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يدعو إلى "حماية العملية الانتقالية".

 

مباركةٌ مشروطةٌ للاتّفاق

 

في ظلّ هذه الأجزاء المشحونة في الساحة السياسية السودانية، اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، أنّ ما حصل ما اتّفاقٍ سياسيّ، ما هو إلا "الخطوة الأولى"، مضيفًا "لابدّ أن نرى استمرارًا في إحراز تقدُّمٍ، وأن نرى السودان يعود إلى المسار الديمقراطي، وهذا يبدأ بإعادة رئيس الوزراء إلى منصبه، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ".

وطالب المتحدث باسم وزارة الخارجية، "بالإفراج عن جميع القادة المدنيين، وغيرهم، ورفع حالة الطوارئ".

من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى الإسراع بمعالجة القضايا العالقة في السودان بهدف استكمال الانتقال السياسي بطريقةٍ شاملةٍ تحترم سيادة القانون.

وشدّد غوتيريش على "حماية العملية الانتقالية"، عقب إعلان استقالة 12 وزيرًا من حكومة الحمدوك، تمهيدًا لتشكيل حكومة كفاءاتٍ جديدةٍ.

وأكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، ضرورة التأكيد على حماية النظام الدستوري، والحريات الأساسية للعمل السياسي، وحرية التعبير، والتجمّع السلمي، مع "إجراء تحقيقاتٍ مستقلّةٍ في الوفيات خلال الاحتجاجات الأخيرة، والمساءلة من أجل تحقيق العدالة"، وفق "رويترز".

 

تشكيكٌ في فرص نجاح اتّفاق العسكر والمدنيين

تناول المحلل السياسي "بيتر بومونت"، في تقريرٍ نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، الوضع في السودان، والاتفاق السياسي الذي أُبرم الأحد، بين الشقّين المدني والعسكري، في الحالة السياسية السودانية، مؤكدًا أنّ السودان يعيش "أزمةً مستمرّةً".

واعتبر "بومونت" أنّ الاتفاق الحاصل "ليس سوى خطوة صغيرة في مسار حلّ الأزمة"، فهو، برأيه "يلبّي بعض المطالب الدولية"، موضحًا أنّ "الطريق إلى التحول الديمقراطي لا يزال غير واضحٍ"، بحسب "بي بي سي عربية".

وأكد محرّر الشؤون الخارجية، أنّ "أهمّ مشاكل السّودان منذ الإطاحة بعمر البشير عام 2019، كانت دور الجيش وقوات الأمن، والمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال حكم البشير، ومسألة كيفية بناء نظامٍ شاملٍ، والوصول إلى تسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ يمكنها أن تشمل مطالب حركات التمرّد".

وأضاف "بومونت" أنّه كان من الأصلح، منذ البداية، أن يستلم مدنيون القيادة في مجلس السيادة، مشيرًا إلى "قلق الجيش" من "تحميل شخصياتٍ بارزةٍ، من بينهم البرهان، مسؤولية قتل المتظاهرين عام 2019 خلال نهاية عهد البشير في السلطة، بالإضافة إلى جرائم أخرى ارتكبت في عهد البشير"، مؤكدًا أنّ الاتفاق المبرم "يجيب على القليل من القضايا".

وحول موافقة الحمدوك على اتفاقيةٍ تُرضي الجيش، قال "بومونت" إنّها ستترك العديد من الشخصيات في وضع ارتيابٍ شديدٍ من طموح الجنرالات.

وشدّد على رفض الكتلة المدنية الرئيسية التي قادت الاحتجاجات ضد حكم البشير، لاتفاق البرهان والحمدوك، وبالتالي استمرار الاحتجاجات في المدن السودانية، مشكّكًا في ضمان الاستقرار، وإمكانيّة وضع حدٍّ للمشاكل التي يعيشها السودان.