ألقت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في السّابع من نوفمبر الجاري، بظلالها على الوضع السياسي في العراقية، خاصةً وقد جاءت بعد انتخاباتٍ تشريعيّةٍ ناجحة، لكنها "فاشلةٌ ومزوّرةٌ"، في رأي فصائل مسلّحةٍ قريبةٍ من إيران، اعتبرت أنّ الكاظمي "لفّق هذه المسرحيّة للاستفادة منها، سياسيًّا".

وتمّ اتّهام المجموعات الشيعيّة الموالية لإيران بتنفيذ الهجوم على منزل الكاظمي، للتخلّص منه، بهدف فتح صفحةٍ جديدةٍ  من تاريخ العراق على الفوضى والإرهاب، وخلط الأوراق من جديدٍ بعد أن استبعد الشعب العراقي التحالف السياسي المرتبط بفصائل الحشد الشعبي، تقريبًا من البرلمان، لخسارته في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو الذي كان فاز بالانتخابات التي جرت في 2018.

وكثيرًا ما اتّهم رئيس الوزراء العراقي، "مجموعاتٍ مارقةٍ من القانون" بالوقوف وراء الهجمات المتكررة على المنطقة الخضراء التي تأوي مكاتب الحكومة العراقية، وقواعد الجيش، والقوات الدولية، ومنازل عديد السياسيين، إلى جانب منزل مصطفى الكاظمي.

وسبق أن تعهّد الكاظمي، بعد تأديته اليمين الدستورية في مايو 2019، رئيسًا لوزراء العراق، بفرض النظام، و"إعادة المجموعات المسلحة إلى سلطة الدولة"، كما أنّ كتلة رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، الذي لا يرتبط بإيران، المرتبة الأولى في انتخابات أكتوبر الماضي 2021، وهو ما يؤشر إلى تغييراتٍ عميقةٍ في الخارطة السياسية العراقية، قد تكون أبرز أسباب محاولة الانقلاب، وبثّ الفوضى من جديدٍ.

فمن يقف وراء محاولة اغتيال الكاظمي؟، وإِلَامَ يهدف من وراء ذلك؟، وهل تفتح الخارطة السياسية الجديدة في العراق، التي أفرزتها انتخابات العاشر من أكتوبر، الباب أمام أزمةٍ جديدةٍ مفتوحةٍ على كلّ الاحتمالات؟.


تورّط الحشد الشّعبي الموالي لإيران

 

أشار تقريرٌ لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية، إلى تورّط "الحشد الشعبي" في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، وأرجع ذلك إلى عديد المؤشرات، حيث تؤكد "السوابق التاريخية" أنّ "فصائل الحشد الشعبي المعارضة للكاظمي، مثل كتائب حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق، وسيّد الشهداء" هي "التي كانت تستهدف المنطقة الخضراء بهجماتٍ بالطائرات المسيّرة لضرب أهدافٍ أمريكيةٍ، أو الهجمات التي شهدتها بغداد، أو ضرب مطار أربيل، وكان آخرها استهداف قاعدة التنف الأمريكية في سوريا بخمس طائراتٍ مسيّرةٍ". 

ويؤكد التقرير "الحرص على تصفية الكاظمي"، وهو ما يؤشر إلى "وجود يأسٍ إيرانيٍّ من نجاح حلفائها من الشيعة في تشكيل الحكومة العراقية القادمة". 

وتكشف تصريحاتٌ معاديةٌ لرئيس الوزراء "حجم الكره التي تكنّه هذه الفصائل للكاظمي، وهو ما يرجّح مسؤوليتها عن محاولة تصفيته".

وقال، أبو علي العسكري، المسؤول الأمني في كتائب حزب الله، في السابع من نوفمبر، عن محاولة اغتيال الكاظمي: "لا أحد في العراق لديه حتّى الرغبة لخسارة طائرةٍ مسيّرةٍ على منزل رئيس وزراءٍ سابقٍ"، مضيفًا "إذا كان هناك من يريد الإضرار بهذا المخلوق الفيسبوكي، فتوجد طرقٌ كثيرةٌ جدًّا، أقلّ تكلفةٍ، وأكثر ضمانًا لتحقيق ذلك"، متابعًا: "ألا لعنة الله عليك، وعلى من أيّدك"، في إشارةٍ واضحةٍ على حجم الكره والحقد الذي يكنّه الموالون لإيران، إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وكانت قيادات فصائل من الحشد الشعبي، اتّهمت الكاظمي بالتورّط في إطلاق النار على المتظاهرين، من أنصارهم، الذين خرجوا قبل يومين من محاولة الاغتيال، للاحتجاج على نتائج الانتخابات، ومن بينها "أمين عام كتائب "سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي، وقيس الخزعلي، زعيم "عصائب أهل الحق"".

يضاف إلى ذلك، وفق ذات التقرير، الاتهامات الإيرانية، حيث لم يدن علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، محاولة اغتيال الكاظمي، بل "ألقى باللّوم على محاولة اغتياله على "مراكز فكرٍ خارجيةٍ، دعّمت الجماعات الإرهابية، واحتلال العراق"، بالرغم من أنّ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أدان العملية. 


الخارطة السّياسية الجديدة


تصدّر التيّار الصدري، الذي يتزعّمه رجل الدين الشّيعي، مقتدر الصدر، المشهد السياسي الجديد في العراق، الذي أفرزته انتخابات أكتوبر الماضي، بينما تكبّدت تياراتٌ شيعيّةٌ قريبةٌ من إيران خسائرَ كبيرةً، وعلى رأسها  "ائتلاف الفتح" الشيعي، بزعامة هادي العامري، الذي لم يحصل إلا على 14 مقعدًا، بينما حلّ ثانيًا في انتخابات 2018، بحصوله على 47 مقعدًا.

وحقق التيار الصّدري، أحد أبرز القوى الشيعيّة، الأكثر شعبيةً في العراق، الخارطة السياسية الجديدة بحصوله على 73 مقعدًا في البرلمان الجديد من جملة 329 مقعدًا، محققًا زيادةً في عدد المقاعد بـ 19 مقعدًا مقارنةً بما كان عليه الوضع في انتخابات 2018.

وفي الواقع في فإنّ إحراز التيار الصدري لـ 73 مقعدًا في البرلمان الجديد جاء على حساب القوى الشيعية الأخرى، التي ترتبط أساسًا بالحشد الشعبي، المتّهم ببثّ الفوضى في العراق، باعتباره "قوةً خارج إطار القانون"، وقد يكون من بين من اتّهمه مصطفى الكاظمي بالتيارات الخارجة عن القانون، والذي تعهّد بإعادتها إلى سلطة الدولة.

و"يبدو الموقف السياسي للصدر متغيرًا، ويفتقر إلى الثّبات في التوجّهات، والمواقف السياسية، لذلك يصعب توقّع التحالفات التي سيعمد رجل الدين الشّيعي إلى بنائها بعد الانتخابات"، وفق "بي بي سي".

وبعد التظاهرات الواسعة، المطالبة بالإصلاح في العراق، مال رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، إلى "التركيز على حماية السّيادة العراقية، ووضع حدٍّ للتدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية، وإخراج القوات الأمريكية من العراق، وتطبيع علاقاته مع العالم العربي".

واعتبر الصدر، بعد إعلان فوزه في انتخابات 2021، انتصاره "نصرٌ للإصلاح"، و"ضدّ الفساد والتطبيع". وأكد أنّ "كلّ السّفارات مرحّبٌ بها على ألا تتدخل في الشأن العراقي، أو في تشكيل الحكومة".

وإلى جانب "ائتلاف الفتح" بزعامة هادي العامري، نجد "القوة الوطنية لائتلاف الدولة" بقيادة عمار الحكيم وحيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وتمثل الفصيل الشيعيّ الثالث الذي خسر انتخابات 2021 حيث لم يحصل إلا على 4 مقاعد.

وبالرغم من أنه كان خصمًا سياسيًا، قبل الانتخابات، لائتلاف الفتح، إلا أنّ ائتلاف "القوة الوطنية لائتلاف الدولة"  وجد نفسه في خندقٍ واحدٍ، معه، عقب الانتخابات، وذلك بإصدار اتّهاماتٍ بالتلاعب بنتائج الانتخابات.

وأفضت نتائج انتخابات أكتوبر 2021، إلى تحالف الحكيم والعبادي، مع العامري، للإعلان في بيانٍ مشتركٍ عن "عدم القبول بنتائج الانتخابات"، والتعهّد باتخاذ "جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين".

أما بالنسبة للقوى السنّية، فقد تحصّل تحالف "تقدّم" بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحالف "العزم"، برئاسة زعيم "المشروع العربي"، خميس الخنجر، إلى جانب تحالف "المشروع الوطني للإنقاذ"، برئاسة أسامة النجيفي، ومشاركة شخصياتٍ سياسيةٍ أخرى، على المرتبة الثانية بـ 43 مقعدًا.

ولم تأتٍ انتخابات أكتوبر 2021 بالجديد بالنسبة للأحزاب الكردية، حيث تحصل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، على 32 مقعدًا، متربّعًا على المشهد السياسي في إقليم كردستان العراق، فيما حصل "الاتحاد الوطني الكردستاني" على مقعدٍ وحيدٍ، بينما كن حصل على 18 مقعدًا في انتخابات 2018.

وظهرت قوةٌ جديدةٌ في السليمانية، تحت مسمّى "الجيل الجديد"، بحصولها على 9 مقاعد، بينما خسرت حركة كوران "التغيير"، مقاعدها في البرلمان الحالي، ولم تحصل على أيّ مقعدٍ.


الكتل الكبيرة: هيمنةٌ على البرلمان ومصالح دولٍ أجنبيّةٍ

يقول الكاتب العراقي، سامي الزبيدي، في مقالٍ نشره في صحيفة "الزمان" العراقية: "ينقسم العراقيون إلى قسمين، الأول -وهم قِلّةٌ - يرون أنّ هذه الانتخابات ستحدث التغيير ولو بالحدود الدنيا، فهو أفضل من لا شيء، أي أفضل من بقاء نفس الوجوه القديمة تهيمن على المشهد السياسي في البلد، وفات هذا القسم أن تغييرًا محدودًا لا تأثير له على العملية السياسية، ووجود أعدادٍ قليلةٍ من عشرين إلى ثلاثين عضوًا جديدًا في مجلس النواب، ليس بإمكانهم إحداث تغييراتٍ كبيرةً في أيّ شيءٍ، وبالتالي، ستبقى الأحزاب والكتل المتنفّذة هي من تحقق الكتلة الأكبر، وبالتالي ستشكّل الحكومة".

ويضيف الزبيدي: "القسم الثاني من العراقيين، يرى أنّ هذه الانتخابات لم تحدث التغيير المنشود، وتبريراتهم معقولةٌ، فوجود المال السياسي، والسّلاح غير المنفلت، بل المُسيطَر عليه، والمناصب المهمّة للدولة بيد الأحزاب والكتل المتنفّذة، لا يعطي المجال لأيّ حزبٍ جديدٍ، أو أيّ تكتّلٍ مدنيٍّ، أو غيره، للمنافسة حتى، وليس الحصول على مقاعد في مجلس النواب".

ويؤكد الكاتب أنّ "الكتل الكبيرة ستتنافس، بل ستتصارع للحصول على الكتلة الأكبر، بالاقتراع، أو بغيره، وستبقى الأمور على حالها، مجلسُ نوابٍ تُهيمن عليه الكتل والأحزاب الكبيرة التي ستضع مصالحها، ومصالح دولٍ أجنبيّةٍ فوق مصالح الشعب والوطن".


أزمةٌ عراقيةٌ مفتوحةٌ على كلّ الاحتمالات


لئن أكد طارق الحميد، رئيس تحريرٍ سابقٍ لصحيفة "الشرق الأوسط"، على أنّ الانتخابات العراقية يؤمّل أن تكون بمثابة ترسيخ دعائم الدولة العراقية، وخطوةً رئيسيةً لإضعاف القوى التي تعمل على إضعاف العراق داخليًا وخارجيًا"، مضيفًا "علينا الاهتمام بالتّهديدات التي أُطلقت في العراق بقصد التّرهيب لتغيير النتائج المعلنة"، فإنّ عبد الباري عطوان، أكد في افتتاحيةٍ لـ"رأي اليوم"، أنّ "نتائج الانتخابات البرلمانيّة العراقيّة التي جاءت حافلةً بالمفاجآت الصّادمة، فرحًا، أو الصادمة حزنًا، وغضبًا، وخيبة أملٍ"، مضيفًا أنّ "تنديد الكتل الشيعيّة الرئيسية الموالية لإيران بنتائج الانتخابات ورفضها الكامل لها، لحدوث تلاعبٍ واحتِيالٍ على حدّ قول قياداتها، إنذارٌ باحتمال حدوث صداماتٍ سياسيّةٍ، وربّما عسكريةٍ، وانقساماتٍ حادّةٍ عقائديةٍ وطائفيةٍ في الأسابيع والأشهر المقبلة، خاصةً، أنّ هذه الكتل هي التي تملك السّلاح والمعدّات العسكرية الثقيلة، وتشكّل جيشًا موازيًا".

وكان الرئيس العراقي، برهم صالح، أكد أنه "لا يمكن السّماح بجرّ العراق إلى الفوضى"، معتبرًا أنّ محاولة اغتيال الكاظمي "انقلابٌ على النّظام الديمقراطي"، فيما وصف قائد القيادة العسكرية المركزية الأميركية، كينيث ماكينزي، محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، بالعمل الإجرامي، واتّهم "مليشياتٍ إيرانيةً" بالوقوف وراءها، ووصفها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية "نيد برايس"، بالعمل الإرهابيّ، الموجّه ضد قلب الدولة العراقية.

والأكيد أنّ محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أعادت الخوف إلى نفوس العراقيين، من جرّاء احتمال "إعادة الدولة إلى مرحلة الفوضى"، خاصةً وأنّ "بعض اللاعبين من المسلّحين لا يزالون خارج الدولة"، وهم "قادرون على تنفيذ الهجمات ضدّ أعلى المستويات في الدولة".