أخذ الدور المصري في قطاع غزة أشكالًا متعدّدة منذ 2006، وحتى موجة التصعيد الاخيرة بين الجيش الاسرائيلي والفصائل الفلسطينية. فقد ارتبط دور مصر بملفاتٍ ذات أبعادٍ أمنية واقتصاديةٍ خلال السنوات الأخيرة منذ استفراد حركة حماس بالسلطة في قطاع غزة، حيث كثيرًا ما لعبت مصر ولازالت، دور الوسيط بين الإسرائيليين والمقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، للتهدئة وتبادل الأسرى، مثلما حصل في 2011.

وخلال الأشهر الأخيرة،وإلى جانب الدور الأمني المعتاد لإيقاف إطلاق النار، والتهدئة بين الجانبين، برز الجانب المصري في عملية جديدةٍ تتمثل في إعادة إعمار غزة، خاصةً بعد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تخصيص مبلغ 500 مليون دولارٍ كمبادرةٍ مصريةٍ لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار.

فما هي طبيعة الدور المصري الجديد في قطاع غزة؟، وما هي دوافع مصر للإمساك بملف إعادة إعمار غزة؟

تعزيز النفوذ واستعادة الدور التاريخي


يرى محلّلون أنّ مصر تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، وخاصةً قطاع غزة، وذلك بعد النجاح الذي حققته في وساطة التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الحادي والعشرين من مايو الماضي.

واستغلت مصر النجاح الدبلوماسي الذي حققته بعد أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تخصيص منحةٍ بقيمة 500 مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار غزة.

وقالت المحلّلة "سارة سميرشاك" لوكالة "فرانس برس": "لا شك أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرى في مساعدات إعادة الإعمار استثمارًا في النفوذ السياسي، سواءً عند الحدود المصرية مع غزة، أو على المستوى الدولي".

وتضيف: "علينا أن نرى من الذي سيفوز بالعقود التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات ، ومن سيحصل بالفعل على الأموال"، مشيرةً إلى أنّ "أغلب الظنّ، ستلعب الشركات المملوكة للجيش دورًا مركزيًا في العملية، وتستفيد من التعهدات البالغة 500 مليون دولار".

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، لـ"فرانس برس": "هذا التعهد، سوف يجعل صوت مصر مسموعًا داخل الصفوف الفلسطينية"، قبل أن يضيف: "بالتأكيد هي (مبادرة إعادة الإعمار) جزءٌ من استعادة مصر لدورها في إقليم غزة".

وأكد الرئيس المصري، خلال مشاركته في القمة الثلاثية بقصر الإيليزيه، في الثامن عشر من مايو الماضي، على أنه: "لا سبيل لإنهاء الدائرة المفرغة من العنف المزمن واشتعال الموقف بالأراضي الفلسطينية إلا بإيجاد حلٍّ جذريٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية يعيش ويتمتع بداخلها الشعب الفلسطيني بكامل حقوقه المشروعة كسائر شعوب العالم".

ودعا إلى "تكثيف جهود المجتمع الدولي بكامله لحث إسرائيل على التوقف عن التصعيد الحالي مع الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك لإتاحة الفرصة أمام استعادة الهدوء، ولبدء الجهود الدولية في تقديم أوجه الدعم المختلفة والمساعدات للفلسطينيين".


الدور التاريخي لمصر في قطاع غزة


أكد يوسف أبو وطفة، الباحث في المركز الفلسطيني لأبحاث والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، تحوّل الدور المصري من التركيز على الملفات الأمنية والتبادل التجاري، والمصالحة في قطاع غزة، حتى جاءت معركة "سيف القدس" في مايو الماضي لتحدث تحوّلًا كبيرًا في نوعية الأدوار التي كان يلعبها الجانب المصري في غزة، وذلك بعد تبنّي الرئيس عبد الفتاح السيسي حملةً لإعادة إعمار غزة، أعقبها انطلاق 130 حاوية محملة بأكثر من 3 آلاف طن من المواد الغذائية إلى القطاع.

وفي خضمّ معركة سيف القدس، خلال شهر مايو الماضي، فتحت مصر معبر رفح، وأرسلت كمياتٍ كبيرةً من المساعدات الطبية والغذائية لفلسطينيي القطاع المحاصرين، كما سمحت باستقبال الجرحى الفلسطينيين للعلاج في المستشفيات المصرية، وهو ما يؤكد الرغبة في استعادة مصر لدورها التاريخي الذي افتقدته منذ الثورة المصرية في 2011.

وتأتي التحركات المصرية لاستعادة دورٍ تاريخيٍّ مصريٍّ غاب عنها منذ أكثر من عشر سنواتٍ، بالرغم من تصنيف "حماس" "منظمةً إرهابيةً" في فبراير 2015، لكن المشاورات المصرية التركية القطرية، فضلًا عن نفي الحركة أيّ ارتباطٍ رسميٍّ تنظيميٍّ لها بحركة الإخوان، إلى جانب تأكيد إسماعيل هنية في 2017، في القاهرة على أنه "ليس لنا أيّ ارتباطٍ تنظيميٍّ بجماعة الإخوان في مصر، أو حتى في غير مصر"، ساهمت في عودة المياه إلى مجاريها.

وأكد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وخبير القانون الدولي، أيمن سلامة، لموقع "الحرة" أنه: "لا يمكن إغفال الإرث التاريخي للعلاقات المصرية - الفلسطينية وقطاع غزة تحديدًا".

وكانت مصر تدير قطاع غزة منذ العام 1948 خلال الحرب العربية الإسرائيلية، لتتواصل إلى غاية يونيو 1967، بعد أن تمّ تشكيل حكومة عموم فلسطين التي لم تنلْ اعتراف الأمم المتحدة.

وأضاف سلامة أنّ: "مصر تلعب حاليًا دورًا إستراتيجيًا لا يمكن فصله عن دورها التاريخي، وعن الطبيعة القانونية والواقعية التي كانت بين مصر وقطاع غزة"، مؤكدًا أنه "بالرغم من تعيين مصر لحاكمٍ عسكريٍّ في غزة لتصريف الأعمال حينها، ولكن الوثائق والمحاكم المصرية بجميع قراراتها تؤكد أنّ القطاع لم يُعتبر يومًا جزءٌ من الإقليم المصري".


مخاوفٌ من "سيطرة مصر على غزة"


في تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست"، تحت عنوان "هل تخطّط مصر لاستعادة السيطرة على قطاع غزة؟"، طرحت عديد التساؤلات عن نوايا مصر من خلال عملية إعادة إعمار غزة.

وفي الرابع من يونيو الماضي، أرسلت مصر جرّافاتٍ  ورافعاتٍ، ومعدّاتٍ هندسيةً، وطواقم فنيةً إلى غزة للانطلاق في عملية إعادة الإعمار. وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وخبير القانون الدولي، أيمن سلامة، لموقع "الحرة" أنه "لا يمكن إغفال الإرث التاريخي للعلاقات المصرية – الفلسطينية، وقطاع غزة تحديدًا".

وقال، إنّ: "مصر تلعب حاليًا دورًا إستراتيجيًا لا يمكن فصله عن دورها التاريخي، وعن الطبيعة القانونية والواقعية التي كانت بين مصر وقطاع غزة"، موضّحًا أنّ مصر لم تقم بضمّ قطاع غزة إليها في الفترة ما بين 1948، و1967، ولم تعتبرْ يومًا قطاع غزة جزءًا من أراضيها.

وشدّد سلامة على أنّ الجهود المصرية الضخمة في القطاع "متّفقٌ عليها منذ توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، وذلك بموافقةٍ إسرائيليةٍ، وبترحيبٍ من المجتمع الدولي.

ومنذ 2017، غيّرت مصر من نظرتها إلى حماس، التي تشرف على تسيير قطاع غزة، بعد أن كانت الحركة أعلنت فكّ ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، التي صنّفتها مصر "جماعةً إرهابيةً".

الدوافع المشتركة والعوامل المؤثرة

اعتبر الباحث يوسف أبو وطفة وجود دوافع مشتركة لكلّ طرفٍ من الأطراف المتدخلة في عملية إعمار غزة، وأساسًا مصر، والفصائل الفلسطينية في غزة، وبالتحديد حركة حماس، إلى جانب عوامل أخرى مؤثرةً وخاصةً إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

فمصر، تريد الإمساك بملف غزة، والتهدئة، باعتبارها لاعبًا رئيسيًا ومحتكرًا لهذا الملف، كما أنها تعمل على البعد السياسي الدولي والاستفادة من هذا الملف على صعيد العلاقات الدولية، وبالذات مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وإسرائيل.

وتعمل مصر على المحافظة على استقرار الحالة الأمنية في سيناء، من خلال تعزيز الحضور في غزة عبر جهاز المخابرات، أو من خلال الشركات المصرية التي ستساهم في الإعمار، أو عبر التفاهم مع حركة حماس على ضبط الحدود، إلى جانب الاستفادة الاقتصادية والعوائد المالية من عملية إعادة الإعمار عبر توريد مواد البناء عبر بوابة صلاح الدين، وليس من خلال معبر كرم أبو سالم المرتبط بالجانب الإسرائيلي، وتعزيز حضور الشركات المصرية في غزة.

من جانبها تعمل حركة حماس على "الاستفادة من الدور المصري في تثبيت حالة الهدوء والحصول على مكاسب حياتيةٍ أكبر من خلال العلاقة الإيجابية التي تجمع القاهرة بإسرائيل، فضلًا عن الحاجة إلى تخفيف الأزمة الإنسانية عبر استمرار فتح معبر رفح، وتحقيق صفقة تبادل أسرى مقابل الجنود الإسرائيليين الذي يحتفظ بهم الجناح العسكري للحركة في غزة منذ عدوان 2014".

أما إسرائيل، فهي "تربط عملية إعادة الإعمار والتنمية في غزة بحلّ ملف الجنود الأسرى، وتشترط إعادة جنودها قبل الشروع في هذه العملية، وهو ما قد يعرقل الجهد المصري". 

وترى السلطة الفلسطينية أنّ ملف إعادة إعمار غزة يجب أن يمرّ عبر بوابتها، باعتبارها الجسم الشرعي للفلسطينيين أمام العالم، وهو ما أكده رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، في الثامن من يونيو الماضي عندما قال: "تمّ الاتفاق مع جميع دول العالم على أن تتمّ عملية إعادة إعمار غزة من خلال الحكومة الفلسطينية".

وانطلقت عملية الإعمار فعليًا بمساهماتٍ قطريةٍ مصريةٍ، حيث ساهمت كلّ دولةٍ منهما بمبلغ 500 مليون دولارٍ، في انتظار مساهماتٍ أخرى، خاصةً وأنّ المبلغ المطلوب هو في حدود 3 مليار دولارٍ.

 

عوامل نجاح الدور المصري

 

ويبقى نجاح الدور المصري في إعادة إعمار غزة مرهونًا بمدى نجاحها في تثبيت الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل، وكذا علاقتها ببقية الفصائل الأخرى، إلى جانب السلطة الفلسطينية. 

كما يلعب الحضور القطري والكويتي، وربما الاتحاد الأوروبي، دورًا كبيرًا في عملية إعادة الإعمار التي تتطلب تمويلاتٍ كبيرًة لا تقلّ عن 3 مليار دولارٍ.

وقد تساهم كلٌّ من المملكة السعودية والإمارات في عملية الإعمار، بضخّ مساعداتٍ ماليةٍ كبيرةٍ.

وستعمل حركة حماس على مزيد تثبيت الدور المصري الجديد، بهدف الاستفادة من ذلك، سواء على مستوى معبر رفح الحدودي، وضمان دخول المساعدات والسلع والمواد المختلفة، وهو ما يساعد الحركة على تعزيز ميزانيتها.