تحوّلت تصريحات وزير الإعلام اللبناني حول الأزمة في اليمن إلى أزمةٍ سياسيةٍ خانقةٍ بين لبنان ودول الخليج العربي، وفي مقدّمتها المملكة السعودية.

ولم تكتف السعودية بطرد السفير اللبناني في الرياض، واستدعائها سفيرها في بيروت، بل قررت وقف جميع وارداتها من لبنان، وهو ما يعدّ أكبر عقوبةٍ، في انتظار أن تلحقها عقوباتٌ أخرى، إذا تصاعدت الأزمة، ولم تجد الحكومة اللبنانية الحلّ المناسب، الذي يرى محللون سياسيون، أنه يبدأ باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، ولم لا اعتذاره، بينما يقرّ آخرون، وأوّلهم وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بأنّ الأزمة بين السعودية ولبنان "أعمق من ذلك بكثير"، في إشارة إلى حزب الله، الذي "يسيطر على مفاصل الدولة اللبنانية، ويقرّ بعدائه للسعودية".  

وتقف بقيّة الدول الخليجية وراء المملكة السعودية، ولو بدرجاتٍ، في الأزمة الدبلوماسية مع لبنان، وذلك باتّخاذها قراراتٍ صارمةً.

ويجد لبنان، بعد مخاض تشكيل الحكومة، وانفجار "الطيونة"، وتداعيات التحقيقات حول "انفجار مرفأ بيروت"، في أزمةٍ جديدةٍ، في ظلّ "البناء السياسي للبنان"بحسب تعبير وزير الخارجية السعودية، واستغراب وزير الخارجية اللبناني من "القساوة" التي تبديها المملكة، والتي "لا يتفهّمها الجانب اللبناني".

 

 

تيار المستقبل ينتقد.. وحزب الله يندّد


اعتبر وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، أنّ جماعة "أنصار الله" الحوثية، التي يحاربها التحالف العربي بقيادة السعودية "يدافعون عن أنفسهم" ضدّ ما اعتبرها "اعتداءات".

ووصف قرداحي الحرب الدائرة اليمن بأنها "عبثيةٌ"، مشدّدًا على أنها "يجب أن تتوقّف".

وحول وجود اعتداءٍ سعوديٍّ إماراتيٍّ على اليمن، قال قرداحي: "أكيد، هناك اعتداء، ليس لأنهم السعودية أو الإمارات، ولكن هناك اعتداء منذ ثماني سنواتٍ، وما زال مستمرًّا"، مضيفًا "ما لم تكن قادرًا على تنفيذه في عاميْن، لن تستطيع تنفيذه في ثماني سنواتٍ".

وتعدّدت ردود الفعل حول هذه التصريحات، حيث انتقد زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري، ما سمّاها "سياسات رعناء واستعلاء باسم السيادة والشعارات الفارغة التي قرّرت أن تقود لبنان إلى عزلةٍ عربيةٍ غير مسبوقةٍ في تاريخه"، وهو بذلك يهدم الهدنة التي كانت بينه وحزب الله.

أما حزب الله، فقد ندّد بما اعتبرها "الحملة الظالمة" التي تقودها السعودية والإمارات ومجلس التعاون الخليجي على الوزير قرداحي، على خلفية مواقفه من حرب اليمن.

ورفض "استقالة قرداحي أو إقالته"، معتبرًا في بيانٍ له، أنّ "هذه الدعوات اعتداءٌ سافرٌ على لبنان".

واعتبر زعيم "تيار المردّة"، سليمان فرنجية، أنّ ما يجري ليس سوى "عملية إذلالٍ وابتزازٍ"، وهو لا يرى موجبًا لاستقالة وزيرٍ أدلى بموقفٍ قبل تولّيه منصبه، خاصةً وهو يعبّر عن موقفٍ سياسيٍّ". 

وفي الثاني من مارس2016، اعتبر مجلس التعاون الخليجي، حزب الله وكافة فصائله والتنظيمات التابعة له والمنبثقة عنه، "منظمة إرهابية" بسبب اتّهامه بإثارة الفوضى في المنطقة.

 

سيطرة الدّويلة على الدّولة


دوّن النائب اللبناني نهاد المشنوق، في تغريداتٍ له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أنّ "تصريح الوزير قرداحي يؤكد مجدّدًا على طبيعة الأزمة في علاقات لبنان بالعالم العربي، وهي أزمة إلغاء الهامش الذي كان موجودًا بين الدولة والدويلة".

وأشار إلى أنّ "سيطرة الدّويلة على الدولة، ما عاد بالإمكان كتمانه أو تمويهه بالتصريحات الرمادية"، مؤكدًا أنّ "الحل المؤقت هو استقالة الوزير قرداحي تخفيفًا للضرر الذي يتمّ إلحاقه بلبنان من هذه البيئة وهذا المناخ، أما الحل النهائي فهو استعادة الهامش بين الدولة والدويلة، وتقليص سيطرة الاحتلال الإيراني على القرار السياسي في لبنان، وهذا بحث يطول".

 

حزب الله وإيران.. مربط الفرس

 

أرجع وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أصل الأزمة اللبنانية، السعودية، إلى "التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز هيمنة جماعة "حزب الله" المسلحة المدعومة من إيران، ويتسبب في استمرار عدم الاستقرار".

وأضاف في تصريح لرويترز: "أعتقد أنّ القضية أوسع بكثير من الوضع الحالي.. أعتقد أنه من المهمّ أن تصوغ الحكومة اللبنانية، أو المؤسسة اللبنانية، مسارًا للمضيّ قدمًا بما يحرّر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله".

وقال عبد الرحمن الراشد، رئيس التحرير السابق لصحيفة "الشرق الأوسط": "وسط الصراع السياسي المستمر لعقود كبرت مأساة لبنان وارتبطت بشكل خاص بـ"حزب الله"، الذي وسّع نشاطاته ككتيبة متقدمة لإيران، وميليشيا عسكرية متنقلة لها في مناطق النزاع الإيرانية مثل سوريا والعراق واليمن".

واعتبر، أنّ "الخطوة السعودية لسحب السفراء، نتيجة أزمة طويلة من وراء نشاط "حزب الله" ضد السعودية، حيث يقاتل رجاله في اليمن ويقودون معاركه تحت اسم خبراء وفنيين".

من جانبه، كشف الكاتب والباحث اللبناني وائل نجم، أنّ "المعركة" التي أعلنتها السعودية على لبنان "ظاهرها تصريحات وزير الإعلام اللبناني الحديث العهد بالمنصب الذي هو فيه، لكن باطنها وجوهرها يلخص الموقف السياسي السعودي مما يعتبره سيطرة وهيمنة حزب الله على القرار اللبناني، واتخاذ لبنان منصةً لمعاداة المملكة وبقية العرب بحسب وجهة النظر السعودية التي تجاهر بها المملكة ولا تخفيها".

وقال طارق الحميد، الإعلامي والكاتب السعودي: "لا يجب النظر إلى الأزمة الخليجية اللبنانية بعد تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي فقط على أنها تصريحاتٌ شخصيةٌ أيّد فيها قرداحي الحوثيين، وانتقد المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. القصة أكبر، وأكثر تعقيدًا، وتنظيمًا".

وينفذ التحالف العربي بقيادة السعودية منذ مارس 2015 عملياتٍ عسكريةً في اليمن، دعمًا لقوات الشرعية، وذلك في مواجهة الحوثيين المسيطرين على العاصمة اليمنية صنعاء، ومحافظات يمنية أخرى، بالقوة، منذ سبتمبر 2014.


تأثيرات الأزمة على لبنان


أشار الكاتب والباحث اللبناني وائل نجم، إلى أنّ الخطوة السعودية، ومن خلفها الخليجية "أثارت ذعرًا وقلقًا كبيريْن في لبنان الذي يئنّ تحت وطأة أزمةٍ اقتصاديةٍ حادةٍ جعلت الليرة اللبنانية تفقد أكثر من 90% من قيمتها، وجعلت اللبنانيين يخسرون أكثر من 90% من قدرتهم الشرائية، ومن المتوقع أن يكون للقرارات السعودية والخليجية وقْعٌ كبيرٌ على لبنان، وأن يزيد من حجم الأزمة وتفاقمها، خاصةً أنّ لبنان يصدّر إلى المملكة منتجاتٍ وبضائعَ بقيمةٍ أكثر من مليار ومائتيْ مليون دولار، وهذه ستتوقف في ظل قرار وقف الواردات اللبنانية إلى المملكة، وهناك أيضًا اللبنانيون العاملون في المملكة الذين يحوّلون شهريًا مبالغ ماليةً كبيرةً لا يُعرف بعد إذا ما كانت المملكة ستسمح باستمرارها أم أنها ستمنع تلك التحويلات أو أنها ستطرد أيضًا العمال اللبنانيين منها".

وردّت السعودية على تصريحات الوزير قرداحي، باستدعاء سفيرها في بيروت للتشاور، وطلبت مغادرة السفير اللبناني لديها خلال 48 ساعة، إلى جانب إيقافها لجميع الواردات اللبنانية إليها.

واعتبرت المملكة في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية، أنّ تصريحات اللبناني "تمثل حلقةً جديدةً من المواقف المستهجنة والمرفوضة الصادرة عن مسؤولين لبنانيين تجاه المملكة وسياساتها، فضلًا عمّا تتضمنه التصريحات من افتراءاتٍ وقلبٍ للحقائق وتزييفها".

 

الحلول في غياب الحلول

ورغم دخول كلٍّ من الولايات المتحدة وفرنسا على الخط، فإنّ الراشد اعتبر أنّ "الأملَ قليلٌ"، في إصلاح العلاقات السعودية اللبنانية بوجود "حزب الله" وحكومته الحالية، وهي مشكلة اللبنانيين بالدرجة الأولى قبل غيرهم.

وليس أمام حكومة نجيب ميقاتي، غير حلّيْن، إذا ما أرادت تجاوز هذه العاصفة، بأقلّ الأضرار، بحسب "القدس العربي": "حكومة ميقاتي باتت مترنّحةً، وأمام خيارين أحلاهما مرٌّ: فإما يلجأ رئيسها لممارسة كامل الضغط لفرض استقالة، أو إقالة وزير الإعلام، وما يخلّفه هذا القرار من تداعياتٍ على علاقاته بحزب الله و"تيار المردة"، وإما تتحوّل الحكومة إلى حكومةٍ شبه مستقيلةٍ، أو معزولةٍ عربيًا ودوليًا، وتتم الإطاحة بكل الآمال على خطة التعافي للخروج من المأزق الاقتصادي، والمالي، والحدّ من الأزمة الحياتية، والمعيشية، وتتم الهرولة نحو جهنّم التي بشّر بها الرئيس ميشال عون".

وأبدى الكاتب اللبناني، وائل نجم، تخوّفه من المصير الذي ينتظر لبنان، في حال انسدّت أفق حلولٍ تبدو بعيدةً: "لبنان اليوم بات في مهب العقوبات الخليجية، تلك العقوبات التي يمكن أن يكون لها تأثير في المشهد اللبناني أكثر من أي شيء آخر بانتظار إما الانزلاق نحو الفوضى والمجهول، وإما العودة إلى التعقل والحكمة عند الجميع دون استثناء حتى تستقيم الأمور في بلد لا يمكن أن يخضع لطرف أو فريق واحد مهما بلغ من القوة والاقتدار".

وأشار وزير الطاقة والمياه اللبناني، وليد فيّاض، في تصريحٍ لوكالة "سبوتنيك عربي" إلى أنّ تأثير الأزمة على لبنان "واضحٌ، وكبيرٌ"، وأنّ "السعودية دائمًا تقف بجانب لبنان، ولكن للبنان أيضًا مساهماتٌ في نهوض الاقتصاد السعودي، والمجتمع، على مستوى الدولة، والأشخاص، والمهنيين".