لا شك أن ما حدث في تونس هو حدث جلل وسيكون له تأثير مباشر على الجزائر الذي قرر أن يقف في وجه الجميع مرة واحدة، بداية برفع مستوى صدامه مع المغرب، مرورا بإعلان تحدي الجيش الوطني الليبي بالوصول الى الحدود الليبية الجزائرية على لسان الرئيس الجزائري نفسه خلال لقائه بقناة الجزيرة 8 يونيو الماضي، وصولا للعدو التاريخي فرنسا بعد أن وضع الجزائر يده العسكرية والسياسية والإستخباراتية في يد تركيا، وكذلك الولايات المتحدة عبر تعميق العلاقات العسكرية الى أبعد مدى مع روسيا، مما جعل موسكو تضع الجزائر في الخانة الأولى للدول التي يصدر لها أحدث سلاح روسي، وكذلك جعل واشنطن تلقي بثقلها العسكري في افريقيا بالمغرب، بعد ان قررت روسيا ان تكون محطتها الرئيسية في القارة السمراء بالجزائر.

 

لذلك جاء أول اتصال للرئيس التونسي بعد قراره بإقالة رئيس الوزراء وتجميد البرلمان لنظيره الجزائري، واليوم سيصل وزير الخارجية الجزائري لتونس، وبالطبع لن يذهب لتونس لفهم ما جرى في تونس كما أوضح قيس سعيد لتبون، ولكن لنقل رسالة تبون الذي يعدها الأن مع معاونيه.

 

ومعضلة الجزائر فيما حدث بتونس بثلاثة أمور، وهي:

 

أولا: ما أصاب إسلاميين تونس وهم المرتبطين بإسلاميين الجزائر لدرجة كبيرة جدا، في ظل رغبة المجموعة التي تحكم الجزائر في التعامل مع الإسلاميين بتونس وليبيا كإمتداد لها بتلك الدول، بجانب إنعكاس ذلك أمنيا على الداخل الجزائري.

 

ثانيا: وصول المحور المناهض للإسلام السياسي بالمنطقة الى حدود الجزائر الشرقية بكامل طولها، شمالا في تونس وجنوبا في ليبيا.

وان كان لدى الجزائر أزمة مع المستعمر القديم فرنسا، ومعصلة مع الجار اللدود المغرب، فهي لديها عقدة قديمة مع مصر وحديثة مع الإمارات.

 

وقلنا منذ اليوم الاول أن رفض الجزائر سيطرة الجيش الوطني على كامل التراب الليبي هي لقناعة الجزائر بأن وصول حفتر للحدود الليبية الجزائرية تعني وصول مصر الى حدودها، فما بالكم بعد ان صارت تونس أيضا في يد الرئاسة والجيش، والكل يعلم كيف تحولت بوصلة قيس سعيد ضد الإسلاميين بعد زيارته الأخيرة لمصر ابريل الماضي.

 

لذلك تجد إسلاميين الجزائر صبوا جام غضبهم بالساعات الأخيرة ليس على قيس سعيد ولكن على الرئيس المصري وولي عهد أبوظبي.

 

ثالثا: وهو أكثر ما تخشاه الجزائر ان يحدث توافق بين القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر والرئيس التونسي خاصة وان كلاهما الأن في حرب مباشرة على الإسلاميين، فحينها سيكون إسلاميين ليبيا بين شقي الرحي، حفتر من الشرق، وقيس سعيد من الغرب، وبالطبع على أثر ذلك ستكون المعركة القادمة بين الجزائر والمحور المناهض للإسلام السياسي ليس على حدود الجزائر ولكن في قلب الجزائر نفسه.

 

وان كانت الجزائر أمام معضلة بسبب ما حدث في تونس، فكذلك المانيا التي ستعيش أزمة جراء ما حدث في تونس، وهي أكثر الأطراف الأوروبية دعما لإخوان تونس، والتي نفذت معهم مشاريع سياسية وعسكرية كثيرة من أجل تثبيت أقدام الإخوان في ليبيا منذ تسعة أعوام.

 

 

أخيرا وليس أخرا قيس سعيد لم يقبل على تلك الخطوة الجريئة للحفاظ على الميراث البورقيبي وحماية الهوية الوطنية لتونس العراقة والجمال، إلا بعد أن تأكد ان المجتمع الدولي لن يعارضه أو على أقل تقدير لن يشن عليه هجوم، وان هناك دعم إقليمي قوي سيمكنه من تجاوز المرحلة الصعبة التي ستعقب الجولة الأولى بين قيس سعيد والإخوان، فالطريق مازال طويل ولن ينتهي بين ليلة وضحاها، ولنا فيما أرتكبه الإخوان بمصر بعد ثورة 30يونيو2013م عبرة، وعلى ذكر تلك الثورة بات اليوم والأمس والغد يؤكد أن ما حدث في 2011 لم يكن ربيعا ولا ثورة، وان ما سمي بـ "التجربة التونسية" ما هي إلا كذبة صدرت لعقول السذج، كما صدروا لنا من قبل مصطلح "التجربة الأردوغانية" فها هي الديموقراطية الزائفة في تونس تسقط، بفعل أناس وصلوا الى السلطة وهم بالأساس يكفرون الديموقراطية ولا يؤمنوا بها يوما.

 

ومن يتهم قيس سعيد بالإنقلاب عليه أن يتذكر انه استخدم المادة 80 من الدستور الذي وضعه الإخوان، ومن قبلها دعم الإخوان قيس سعيد نفسه في الإنتخابات، وهم من كان لهم الفضل الأول في وصول قيس سعيد للرئاسة، كحالهم في مصر بعد أن ظن معدومي البصر والبصيرة بأن تسليم قيادة الجيش المصري للفريق عبد الفتاح السيسي أغسطس 2012م ستمكنهم من السيطرة على الجيش.

وهذا يذكرني بقوله تعالى "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم"

 فادي عيد وهيب

المحلل السياسي المتخصص في شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعكس بالضّرورة مواقف الإدارة المشرفة على الشّبكة التي تتحلّى بأقصى درجات الحياديّة